دراسة نقدية
بقلم الكاتب الكبير: نشأت المصري
الأثرياء
يحمون مدينتهم بسياج كهرومغناطيسي لمنع الدخول والخروج إلا بتصاريح إلكترونية
المؤلف
توقع تطور علوم الطاقة المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية بالعالم بعد نفاد النفط
الخيال
العلمي قائم على إمكانية استدعاء ماضي الإنسان وتخزينه على أجهزة الكمبيوتر في
المستقبل
البطل
استخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لابتكار أداة للقضاء على الكيان الغاصب
الرواية
تنبأت بصعود دول الجنوب وترجع الولايات المتحدة والدول الغربية واتحاد العرب
رواية "الظمأ والحنين" للكاتب والخبير الاقتصادي دكتور صلاح شعير، رواية ولدت لتبقى خالدة، لأنها قائمة على خيال علمي عربي، يتفاعل مع قضايا الأمة برؤية شاملة، وقد صدرت الرواية عن دار الجندي للنشر والتوزيع بالقاهرة، برقم إيداع 15151 لسنة 2015 بترقيم دولي 0-33-4670-977-978.
الفكرة الرئيسية بالرواية في إطار الخيال
العلمي، حول الصراع بجنوب الشام، أو فلسطين التاريخية، في زمن مستقبلي هو شهر
أغسطس عام 2120، حيث التطور التكنولوجي الهائل، ونفاد النفط وتطور مصادر الطاقة
المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية، حيث الجوع والفقر في المحيط العربي؛ مقابل الثراء
بالأماكن لتي يسيطر عليها الغزاة، وفي إطار هذا الصراع المحتدم ينجح عالم عربي في
ابتكار أداة قائمة على مخرجات الذكاء الاصطناعي، يستطيع بها تدمير الكيان المعادي.
ونظرًا لأن الحبكة
ما هي إلا تطوير للفكرة؛ سوف نجد أن الرواية بجانب الحبكة الرئيسية؛ يوجد بها عدة
حبكات، منها الحبكة التي تشير إلى ندرة الماء والعطش وكيفية حل المشكلة، والحبكة
المتعلقة بالعلاقات العاطفية، وغيرها.
وتشير الحبكة الرئيسية في رواية "الظمأ
والحنين" إلى أن الأحداث تدور ظل في تطور وسائل النقل الفضائي،
والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، حيث أنه بعد نفاد النفط، سوف يتم الاعتماد على
الطاقة المتجددة التي تشمل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح وطاقة الأمواج، علاوة على
طاقة الاندماج النووي، وطاقة التنافر العكسي، حيث يدور الصراع المستقبلي
بين العرب والغزاة.
بخصوص التغيرات الخارجية المحيطة بالعالم
العربي، تتغير المعادلة الجيوسياسية؛ بصعود دول الجنوب، مقابل تراجع دور الولايات
المتحدة الأمريكية وأوروبا.
يحاول بطل الرواية "فارس
المختار" التصدي لمحاولات حجب العلم عن العرب، " بالتفرغ
للعمل ونشر العلم وتعليم الشباب والفتيان؛ لإنتاج صف ثان وكوادر علمية للنهوض
بالوطن، وذلك من خلال معمل " نادي العلوم" الكائن "بواحة
الزيتون" كمؤسسة علمية متطورة في مجال البرمجيات وغيرها من علوم الملاحة
الجوية، وعلوم الطاقة، والفضاء، وغيرها، علاوة على محاولاته لمنع الحرب،
والدعوة إلى السلام.
وعلى الصعيد المقابل يحاول قادة "مدينة
الأثرياء" القضاء على العرب باللوحتين، ويسخرون العلم والتكنولوجيا لذات
الهدف، وخاصة أنهم يؤمنون مدينتهم بسياج كهرومغناطيسي لحمايتها من أي اقتحام، ولا
يسمح لأحد بالدخول مدينة الأثرياء التي تمثل مجتمع الصفوة إلا لخدمة مصالح
المدينة؛ ومن الفئات المسموح لها الدخول: العلماء والأثرياء أصحاب الدخول
المرتفعة، والعمال الذين يقومون بالأعمال البسيطة، ويتم تنظيم هذا الدخول من خلال
تصاريح دخول مشفرة/ ذات مدد ومهام محددة.
ويقوم بطل الرواية بإجراء أبحاثه في "نادي
العلوم"، أو في معمله الخاص بمنزله بعد مواعيد العمل الرسمية، في محاولة
لإنتاج مبتكرات علمية تمكنه من صد هجوم "مدينة الأثرياء" التي تحمي
نفسها بكل الوسائل المتطورة.
ويسعى بطل الرواية إلى كشف مؤامرات
الرأسماليين المحتكرين، لمواجهة الخطر، ومن خلال القيام بالأبحاث المبتكرة لحماية
وطنه، وينجح البطل في النهاية؛ من تصميم أداة تدمير قائمة على تكنولوجيا الذكاء
الاصطناعي، أستخدمها للقضاء على الكيان المعادي.
الشخصيات
الروائية: لقد عالجت الرواية الشخصيات بأسلوب درامي، بحيث يؤدي
ظهور أي شخصية إلى تحريك الحدث الروائي إلى الأمام، علاوة على إبراز محددات
الشخصية مثل: الصفات الجسدية أو الحالة الاجتماعية، أو السلوك والتفاعل مع البيئة
المحيطة، وقد ظهرت الشخصيات على عدة مستويات، منها الشخصيات العربية الإيجابية،
فعلى سبيل المثال مثلت شخصية فارس "المختار" حجر الزاوية في معسكر الخير،
حيث المهندس صاحب الاختراعات والابتكارات الجديدة.
لم يقف دور
البطل عند دوره الوظيفي، بل تطور دوره الاجتماعي على الإطار الأخلاقي في نشر
التعليم، لكسر محاولات حجبه عن العرب، وقد أشارت الرواية إلى ذلك: " كان
"فارس المختار" يتحسب للمخاطر التي تحيط ببلاده، ولا يشغله سوى
نقل أسرار اختراعاته وبرامج حماية الواحة لزملائه لضمان أمن الوطن، ولذا تفرغ قبل
العرس بيومين لاستكمال تدريب براعم العلماء من الشباب والفتيات على كل أسرار نادي
العلوم حتى لا يحدث فراغ إذا رحلت لأي سبب" (ص 86 : 87 ط1 منقحة)
كذلك تعاونه "وفاء حلمي" خطيبته ثم زوجته في كل الأعمال النبيلة.
تنتشر
على الجانب المقابل الشخصيات الشريرة، كـ "هاشم العقرب" الذي يتعاون مع
الأعداء ويخون الوطن، أضف إلى ذلك محاولاته في الزوج أو خطف حبيبة البطل، وتقوم
هند الحافي تلك الراقصة المنحل بنفس الدور، في محاولة إقامة علاقة غير شرعية مع
البطل، ولكنه يلفظها.
لقد
ظهرت شخصيات شريرة أخرى مثل سيف وزير الحرب وخلفه ديفيد، علاوة بعض الشخصيات
الرمزية التي تجسد الصراع بين الخير والشر، كالحمامة والغراب.
ومن
الشخصيات المتحولة من السلبية إلى الإيجابية شخصية هند أم "وفاء حلمي، التي
تضحي بروحها من أجل إنقاذ "فارس المختار من القتل، كذلك الشخصيات الجمعية
بالواحتين الشقيقتين، فبعد التعصب القبلي والحروب البينية، يجنحون نحو السلام بعد
طول عناد.
معالجة المكان: لقد عالجت الرواية المكان بأسلوب جديد
ومبتكر، حيث أشارت إلى الحيز الجغرافي الذي يدور فيه الحدث صراحة باسم جنوب
الشام-فلسطين وما حولها-، بينما أشارت إلى الأراضي التي بداخل نفس المكان بأسماء
رمزية، حيث يوجد العرب المتناحرون، في كل من "واحة البلح"، و "واحة
الزيتون"، بينما أطلق على المكان الذي يوجد به المحتل الغاصب اسم "مدينة
الأثرياء"، وفي إطار الصراع الذي لا يخبو، تبدو مصر باسم "واحة
النيل"، حيث تعد عبقرية المكان، والإنسان بأرض الكنانة، من أهم أسباب استمرار
دورها في دعم القضايا ذات البعد القومي، وقد برز ذلك هذا المعنى في الفضاء
الروائي؛ عندما قدمت "واحة النيل" الماء إلى الأشقاء ،
لإنقاذهم من الفناء، وهذه الإشارة العابرة رغم صغر مساحة الثانوية على
الورق، إلا أنها من أهم الدلالات التي تعكس محورية دور مصر الأبية، كما أن تنبؤات
المؤلف تشير إلى استمرار نمو هذا الدور في المستقبل، كذلك طرحت الرواية في رمزية
رشيقة؛ أن المحيط الدولي للعرب أو دول الجنوب؛ سوف تتحول إلى دعم الحقوق الشرعية
للشعب الفلسطيني، مقابل اضمحلال الدور العنصري لأهل المكان بالغرب، والذي تم
الإشارة إليه باسم دولة الشمال الكبير، أو واحة الشمال العظمى.
البيئة العلمية والقضايا
الفكرية بالرواية: تتمتع الرواية بالكثير من المفردات التي
تحدد معالم البيئة العلمية، ومن أهم ملامح هذه البيئة ما يلي: الدورونات أو
الطائرة بدون طيار، سفن الفضاء العملاقة، تطور نظم الاتصالات، كانتشار الهاتف
المحمول الذري أو الهوائي في التواصل بين البشر، ساعات الحائط الهوائية، التي تظهر
ناطقة، بتقنية ذرية على الحائط، كشاشة مربعة سمكها لا يتجاوز الملي، في المجالات
العسكرية، يبدو استخدام الصاروخ الكهرومغناطيسي في التدمير جليًا، أضف إلى ذلك
ظهور مبتكرات تستطيع تسجيل الوعي البشري أو استدعائه من الماضي بالصوت والصورة، أو
استخدم الدروع الكهرومغناطيسية في حماية المدن، تطور مخرجات الطاقة الشمسية
والمتجددة، تطور طاقة الفضاء الخارجي.
وقد تناولت الرواية العديد من القضايا
العامة للعرب منها: استمرار محاولات قوى الشر للسيطرة على مقدرات العرب، علاقة
التمويل استقلالية الهيئات ذات الطابع الدولي، منع العلم عن العرب، استقطاب
العلماء وإغرائهم بالمادة، مراقبة البطل ومحاولة السيطرة عليه، تعاون اللصوص وتجار
الحروب، فرار المسئولين بالثروة وقت الخطر، استغلال المجرمين ضد أوطانهم، إفشاء
الأسرار يساوي الحياة، الخداع والتمويه قبل شن الحرب، موت معظم البشر في الحرب،
تحدي القوى الشريرة المهيمنة، التحذير من الحرب القادمة الحرب القادمة، الحرب تدفع
للتقدم العلمي، الخداع الإعلامي قبل الحرب، الرغبة في التدمير، نهاية الكيان
المعادي.
تعد رواية "الظمأ والحنين" من
أهم الروايات العربية في مجال أدب الخيال العلمي، وبها كافة المقومات التي تسمح
بتحويل النص الأدبي إلى دراما تلفزيونية، لذلك يجب العمل على إعادة نشرها بكل
الدول العربية؛ لأنها ناقشت قضايا العرب الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية
الحالية والمستقبلية بوضوح، وهذا السرد المكثف المطرز بجمال اللغة ورشاقة البناء
الفني؛ هو خير وسيلة لقرع عقول الفتيان والشباب والكبار، للارتكاز على حقيقة
حتمية؛ مفادها أن نهضة الأمة العربية مقترنة بالعلم والعمل، ونبذ الخلافات البينية
بين الأشقاء.
تعليقات
إرسال تعليق