صدرت المجموعة
القصصية التي تحمل عنوان "السيف والوردة"، للكاتب القاص حسن الجوخ، عن
دار الجندي بالقاهرة، والمجموعة مكونة من سبع قصص قصيرة، تميزت بالتكثيف، وجمال
الأسلوب، علاوة على مناقشة بعض القضايا في إطار تقنية الرمز، ومن الطريف أن زمن
كتابة هذه القصص يقع بين عامي 1973: 1984، ومع هذا لا يشعر المتلقي الذي يقرأها
عام 2023، بعد أربعة عقود تقريبًا بهذه الفجوة الزمنية، لأن الكاتب قد صاغها في
إطار أدب الفكرة المطرزة بالرمز، وهذا النوع من التناول لا يسقط بالتقادم، لأن عمر
الأفكار أطول من أعمار البشر.
تشير القصة
الأولى "السيف والوردة" التي تحمل عنوان المجموعة، إلى حالة
الإحباط لدى الكاتب الصحفي الجريء، وما آل إليه حاله نتيجة منعه من الكتابة، مقابل
صديقه الذي يعشق الأدب ولكن تأخذه الحياة إلى واد آخر، تجسد القصة في إطار فلسفي
الصراع الدائر بين المثقف الحقيقي الذي يمثل رمز الخير والجمال كما بالورود، وبين
القوة الباطشة التي لا تقبل الرأي الآخر، والتي رمز إليها الكاتب بالسيف، وقد كتبت
هذه القصة عام 1984م.
تشابك الرمز: تشير القصة التي تحمل عنوان "حدث في حارة
البطل"، نوعًا من تشابك الرمز، حيث تعكس القصة حالة من الخوف من كائن ما
يهدد سكان الحارة، وقد امتد هذا الخوف إلى الحارات المجاورة، حيث لا يوجد فرد واحد
لديه القدرة على تحدي هذا الكائن المخيف، الذي يراه كل شخص على هيئة تختلف عن التي
يراه به الآخر، حيث رآه رمضان الكبابجي أصفر الرأس أطول من باع، بينما
رآه فتحي أفندي أزرق اللون في طرفه عينه سحابة، بينما رآه محمد بهلول المزارع كبير
الرأس، لامع الجسد، أطول من باع ونص، كذلك شاهده السباك، ورجب الفكهاني، والضابط
عاصم، وابن الحلاق، وتريزا، والشيخ محمد، وغيرهم، كل الشرائح الاجتماعية في
حالة رعب، لقد طرحت القصة سؤالا جوهريًا، من هو هذا الكائن الذي يخيف كل هذه
الشرائح؟
هل هو وحش
كاسر؟ أم مجرم عتيد في الإجرام؟ أم غير ذلك؟ لقد تركت القصة تحديد ماهية هذا
الكائن المُرعب، للمتلقي حتى يراه كل قارئ كما يحلو له.
تشابك الرمز في
هذه القصة قد يدفع المتلقي إلى فك بعضًا من شفراتها، وذلك من خلال زمن كتابتها
بعام 1973م، حيث حالة العجز على الصعيد العربي، نتيجة نكسة 1967م واحتلال الأرض،
وربما يكون هذا المدخل جزءًا من فهم مكنون الرمز بها.
لقد حذرت القصة
في المطلق من هذا الكائن المخيف، الذي عجز الجميع عن مواجهته، مما دفع أهل الحارة
إلى حذف كلمة البطل من عنونها، هذه النهاية تمثل الذروة التنويرية؛ لأنها تضع
المتلقي في مواجهة مع الذات، فإذا كانت حالة العجز كامنة بداخل الفرد أو المجتمع،
لا يجب التدثر باسم أو معنى الشجاعة المفقودة، لخداع النفس، فلنعترف بالحقيقة، لأن
ذلك سوف يدفعنا في النهاية؛ إلى مواجهة الكائن المُرعب بطريقة صحيحة، وهذه
المواجهة قد تسفر بعد ذلك عن تصحيح الأوضاع، حيث تبدو القصة وكأنها تمهيد
لنصر أكتوبر المجيد.
هذه الرمزية متعددة الزوايا، تجعل من
القصة أيقونة حية على الدوام، لأنها تطرح في الخفاء تصورًا يقبل التأويل، دون أن
تصطدم بشخص ما أو بحالة بعينها.
مواجهة
المحسوبية: تشير القصة الثالثة
التي كتبت عام 1975، إلى صراع بين الشفافية داخل أحد المستشفيات كمكان
افتراضي للأحداث، سوف نجد أن موظف الاستقبال الذي يعمل بعقد عمل مؤقت، يحرص
على تطبيق القانون بشفافية تامة، على اعتبار أن استقبال الحالات الحرجة فورًا،
ضرورة حتمية لإنقاذ المريض من الموت، بينما الطبيب نائب المدير يحاول التحايل على
هذا النظام، بأن يُدخل أحد مرضاه العاديين إلى الاستقبال ليجري له عملية تجميل،
اختصارًا للوقت؛ ورغم تدخل المدير وتهديد الموظف بالفصل إذا لم يلبي الأوامر، إلا
أنه يرفض ذلك بشدة، ويتم رفدته من العمل، لأنه وقف ضد المحسوبية. تشير هذه القصة
إلى أن مواجهة الفساد الإداري أقوى من قدرة الفرد، لأنها مسئولية الجميع.
التأرجح في
المواقف: تعرض قصة "المأزق"
صورة من صور التأرجح في المواقف، حيث صراع البطل مع نفسه حول اختيار شريكة حياته،
هل يتزوج من " مكاوية" ابنت خاله، ردًا للجميل؟ حيث أن يقوم
برعاية أسرته منذ وفاة الأب، أم يتزوج من سعاد ابنة صاحبة المنزل الذي انتقل للسكن
فيه؟ لأن أمها تتغاضى عن سداده للإيجار المتأخر، أو بعض المشتريات التي يحصل
عليها من محل البقالة المملوك لها، أم يتزوج من ناهد زميلته في العمل التي أحبها؟
مشكلة بطل القصة أنه وعد كل واحدة بالزواج، وهذه الوعود تعكس التسرع غير الواعي؛
لأن مقايضة رد الجميل بالزواج ضد الفطرة البشرية؛ لأن مشاعر الرجل تتحرك بتلقائية
تجاه من يحب.
تناولت
القصة هذا الخطأ القديم الجديد، محذرة من هذا العبث السلوكي، لأن ذلك الأمر ضار
سوء تم الوفاء بالوعد، أم لا، تكاد القصة أن تصرخ محذرة: رد المواقف الإيجابية،
يكون بمواقف إيجابية مثلها، وليس بوعود الزواج المتسرعة.
الكائنات الفضائية: تناقش قصة "صمتًا أيها الضجيج، احتمالات
وجود كائنات فضائية بالكواكب الأخرى، وأن هذه الكائنات متطورة جدا، وتمتلك
تكنولوجيا تسبق ما هو موجود على ظهر الأرض، وهذا قد يهدد مستقبل الأرض مستقبلا
بالغزو، وتبدو رسالة القصة غير المباشرة، في أن التعامل مع هذا الاحتمال، يجب أن
يكون بالعلم، لأنه هو السبيل الوحيد لفك الشفرات الغامضة حول هذا الأمر.
كذلك
توجد بالمجموعة قصة "الفكاك من الدائرة" وقصة "الميلاد
والدخان" وتتميزان برشاقة العرض والمحتوى، حيث يحتويان على الكثير من
القيم ذات البعد الإيجابي.
تعليقات
إرسال تعليق