الصناعة في القرآن والسنة

 النص قدم علي المسرح ثلاث مرات  وسيظل مادة مسرحية جاذبة  صالحة للعرض حتي يتم تصويره

صورة أرشفية للناقد خالد جودة يفتتح مكتبة نادي 6 أكتوبر 

  

           دراسات

في دراسة نقدية حديثة للكاتب خالد جودة أحمد لنص مسرحة "لصوص الرحمة" من    ثلاثية صلاح شعير المسرحية  المنشورة تحت عنوان "وطن للبيع" من إصدرات مركز الحضارة العربية الطابعة الثانية  2015-  أشار الناقد  إلي أن أدب الفكرة وصوت الضمير من السمات  البارزة  للكاتب والصحفي صلاح شعير حيث أنه من أصحاب الأقلام ذات العطاءات المتنوعة في أكثر من مجال من فنون القول، فيكتب الرواية والمسرح وأدب الطفل، وأدب الخيال العلمي، والمقال الصحافي في الهم العام، والدراسات الأدبية والفكرية والاقتصادية أيضاً، إن الإشارة الأولي لمثل هذا الأداء المتنوع للكاتب تعني أن قضية الكتابة موظفة لديه في إطار أهداف عامة، وتفاعلاً مع المجتمع ومشكلاته، ويمكن أن نسميه أدب الفكرة في إطار أخلاقي. مسرحيات للصغار ... والكبار:

          

         وكاتبنا له مجموعة مسرحيات منشورة في مجموعتين، صادرتين من مركز الحضارة العربية في ذات التوقيت، أحدهما معنونة (حرامي الفيل – مجموعة مسرحية للطفل) وتضم ثلاث مسرحيات معنونة (حرامي الفيل / المفتري ندمان / وعد الحر)، والمجموعة المسرحية الثانية (وطن للبيع – مسرحيات ساخرة) وتضم أيضاً ثلاث مسرحيات (وطن للبيع / عالم ستات / لصوص الرحمة)، فبين يدينا إذن ست نصوص مسرحية منوعة ومتبيانة في أدائها للصغار والكبار، لكن يشملها جميعاً الهدف الأخلاقي، كما يغلفها رغم غايتها القيمية الواضحة تلك إرادة تحصيل القارئ المتعة والتشويق في المطالعة، باستخدام ادوات متنوعة منها السخرية التي تصل أحياناً للفكاهة وكتابة الكاريكاتير.

لصوص الرحمة  عرضت ثلاث مرات

         وقد عمد المؤلف إلي المرونة التي تسمح للممثل  باستخدام مصطلحات تناسب زمن العرض في إطار الفكرة الحاكمة حيث أن المسرح الكومدي  متطور ومتغير،  وما يفجر الكومديا في فترة زمنية ما لا يفجرها في فترة لاحقة،  وخاصة أن النص كما ذكر الكاتب مكتوب منذ عام 1986 وقد تم تعديله ليناسب القرن الواحد والعشرون.

العرض الأول بعنوان "صعيدي رايح مش جاي"

     عرضت المسرحية لأول مرة عام 2004 علي مسرح غزل المحلة  بمحافظة الغربية من إنتاج شركي جي أر زد ، تحت عنوان "صعيدي رايح مش جاي"  وقد شارك في البطولة الفنان الراحل غريب محمود، ومجدي فكري والفنانة عنبر والفنان رمزي غيث وكمال الألفي  .

   وفي 2012 قدمت علي مسرح الهوسابير تحت عنوان "حرامية خمس نجوم" من إنتاج شركة هاي مود، بطولة الفنان فتحي سعد ، والفنان الراحل  محمود الحفناوي،  وعبد السلام الدهشان وأحمد فرحات ولكن الأحداث السياسية في ذلك الوقت وفرض حذر التجول في محافظة بور سعيد  أثر علي تسويق النص .

صورة أرشفية لعرض المسرحية في 2012 - من اليمن الفنان الراحل  محمود الحفناوي- فتحي سعد عبد السلام الدهشان

    وقدمته شركة الشيماء للإنتاج الفني علي الهوسابير ايضا بعنوان "يوم لك ويوم عليك، عام 2015م   بمعظم الفنانيين بالعرض السابق. ونظر لثراء النص كموديا وفكريا،   لن يتوقف عرضه علي المسرح  الحي إلا بتصويره .

نبذة عن مسرحية "لصوص الرحمة"

         تدور أحداث المسرحية  مابين محطة مصر بالقاهرة  وفيلا الدكتور كمال  بالقاهرة حيث صميده وعوضين القادمين من أعماق الصعيد للبحث عن طيبب ماهر لعلاج حمار العمدة المصاب بكسر في رجله، في حين أن البشر لا يجدون من يعالجهم، ومن الوهلة الأولي تظهر المفارقة ممزوجة بالساذجة كتمهيد لبث الكموديا اللامعقول في ثانيا النص كإطار يغلف القضية، حيث يتلقف  زكي سمسار سرقة الأعضاء البشرية  القادمين من أغور الريف  متوددا وينجح في صنع صداقة زائفة عارضًا استضافتهما لأنهم بلديات .. وقد حاول خداعهم وإهامهم بانهم مرضي يحتاجون العلاج وقد وأخذهم إلي القسم المجاني بمستشفي دكتور كمال  الملحقة بفيلا دكتور كمال.  بهدف سرقة كلية من كل فرد، وتستمر الأحداث في هذا الاتجاه حتي نهاية النص بأن يتضح أن صميده وعوضين ما هما إلا  رجالا أمن قد تخفيا علي الهيئة الصعيدية لضبط العصابة متلبثة بالجريمة، وبراعة التصوير أن المؤلف قد مهد للحدث بصورة  تجعل  المتلقي غير قادر علي التنبؤ  بالنهاية المفاجئة،  فحتي اللحظات  الأخيرة لم يتضح  الفج المحكم للقبض علي المجرمون.  

 

صورة من لبوستر عرض 2012 

مسرح (زرقاء اليمامة):

ونشير في إيجاز لملامح فنية وموضوعية في مجموعته المسرحية الشيقة ثلاثية النصوص (وطن للبيع)، لكن التيمة الحاكمة هي تيمة الفكرة ذات البعد الأخلاقي، يقول د. محمد حسن عبد الله: (فكرة "المسرحية" هي الأساس الذي تنهض عليه سائر العناصر، مثل الصراع، والشخصيات، والحوار، هذا يعني أن ضعف الفكرة، او عدم وضوحها عند المؤلف المسرحي يؤدي إلي ضعف عام، يغمر كل العناصر الأخري، نتيجة حتمية لضعف القاعدة التي ينهض عليها البناء، إن فكرة المسرحية ينبغي أن تكون قوية جادة، بان تكون صحيحة في قياس العقل، غير متناقضة، وان تكون جارية مع الطبع الإنساني في فطرته السليمة، أي غير منافية للأخلاق، وان تكون ممكنة التصور والحدوث، أي فيها قدر مناسب من الواقعية أو الاحتمال)⁽¹⁾، إن مرصد الكتابة المسرحية عند الكاتب تلتقط العديد من الإشارات المنذرة، من تفسخ أخلاقي بغيض، وغياب التعاطف الإنساني، في فوران مجتمعي جامح كارثي، وننتقي عبارة دالة من طول المسرحيات وعرضها: (هو ايه اللى جرى للدنيا؟ / إيه ده الناس ما عدتش طايقة بعضها ليه)، إن المسرحية تحذر من شبكات الفساد الاجتماعي التي أكلت الأخضر واليابس ولم تبقي ولم تذر.

أخطر المجرمين:

في مسرحية (لصوص الرحمة) نجد القضية المجتمعية الحاكمة هي قضية تجارة الأعضاء البشرية، وإن كان هناك إلماح يسير لموضوعات قيمية أخري، وطبقاً لمذهب الأديب في الوضوح الأدبي، نجد أن انسيابية الحوار وبساطته، فالوضوح في ذهن الكاتب يثمر وضوحاً في طرحه الفني المسرحي. وفي ثبت الشخصيات علي باب المسرحية نجد أن الكاتب قد وضح عن سمات بعض الشخصيات دون أخري حتي لا يؤثر علي عنصر المفاجأة الذي يدخره للقارئ ويحقق به توابله الفنية في متعة القارئ، فنجد مثلاً (د. كمال: مجرم مثقف 60 سنة)، وهو إلماح ذكي أن بعض المثقفين يستخدمون الثقافة كوسيلة إجرامية، وأري أن هؤلاء من أخطر أنواع المجرمين، فالشخصية المسرحية تنادي بالمبادئ وتحترف التضليل، لدرجة حصولها علي الجوائز والإشادة بها في مجال مكافحة تجارة الأعضاء البشرية، بينما يمارس تلك التجارة في المستشفي الذي أسس به قسماً مجانياً لمحدودي الدخل ليكون أحبولة  ُيسقط بها ضحاياه مستغلاً عوزهم وفقرهم، تحت مظلة الرحمة، ومن هنا تأتي مفارقة العنوان.

العمل الصحافي والمسرحية:

       إن العمل الصحافي مهيناً من طرف خفي علي الأداء الأدبي، فالتمس أن الكاتب قد قرأ  مادة منوعة حول تلك القضية الخطيرة، خاصة المتعلقة بقتل الأفارقة الفارين في سيناء للوصول إلي الكيان الصهيوني، وإلقاء جثثهم في آبار سحيقة، وهي القضية الصادمة إنسانياً والتي اشتهرت مؤخراً، كما طالع أخباراً أخرى، ولأن الفكرة ذات الهدف الأخلاقي كانت مؤرقة للكاتب، فقد آثر استخدام الفن في توصيل هذا القلق والإنذار من الكارثة، ومفتتح المسرحية يحمل هذه الدلالة الصحافية حيث الإعلان عنها بواسطة كريمة بائعة الجرائد (إقرأ الحادثة ...)

"الصدفة" وطلاوة السخرية:

صورة لبوستر عرض 2015

نجد تجهيز مكان الاحداث المسرحية بحيث تشير إلي لقاء الشخصيات وتفاعلها، وإن عمد الكاتب إلي "الصدفة" المبررة  في تقدير لقاء الشخصيات وتشابكها،  والحقيقة أن الواقع ذاته يقدم ما يمكن أن نسميه "تصاريف القدر" والتي ترسم خيوط الحياة المتقاطعة في إتقان، ولجوء الكاتب أكثر من مرة لتلك المصادفات، أرى أنها كانت مخرجاً له لتدبير الحدث المسرحي في هذا الحيز الصغير المشكل من فصلين، ويشفع للكاتب في هذا طلاوة السخرية، والتصنيف الصارم للشخصيات بين اللونين الأبيض (الخير) والأسود (الشر). إن الكاتب كعادته ينحاز للمعدمين والمسحوقين، ويدعمهم أدبياً، وتؤرقه دائماً مظالمهم ووضعهم البائس: (علوان: الحكاية دي مخوفة الناس قوي يا شلاطة وخصوصاً الغلابة اللى زينا. شلاطة: في دي الله ينور عليك، ما هو الغلابة هم اللى بيتقلبوا في الزمن ده)⁽²⁾

التشويق بأداة السخرية:

إن الكاتب منح ذاته مساحة في إطلاق السخرية، طاقة لإمتاع القارئ، بل الإغراق في هذه السخرية لدرجة الفكاهة، واستعمل البراح في رحلته إلي لحظة تنويره الأخيرة بالمسرحية، في إطلاق تلك السخرية في رحلته تلك للنهاية غير هياب، حيث اتفق مع الشائع (الذي لا نقره) حول (الصعايدة)، لكنه في إطار تقنية (التمثيل داخل التمثيل)، كشف أن المبالغة تلك في إظهار السذاجة كانت درباً لشخصيات صعيدية رائعة ذكية لمكافحة الشر، إن حيلته الفنية انصبت لإبعاد نظر القارئ عن المفاجأة الأخيرة، من خلال الإعلان وإشغاله بالمخبر وخطيبته الخادمة كريمة في سعيهما لكشف حقيقة الجريمة في مستشفي د. كمال المثقف المجرم.

       إن الفكاهة واضحة، ونابعة من إيمان الكاتب بعبقرية النكتة المصرية، كما يشير ثبت أعماله تحت الطبع، مثال المفارقة في ترتيب الألويات، مثال: الرجل الذي يؤجل إطفاء الحريق لحين أداء واجب الضيافة لرجال المطافى

(شوقي: مش قضيتنا ... الحريقة عملت أيه؟

زكي: ولعت أكتر.

شوقي: إيه ما عرفوش يطفوها؟

زكي: مش كده بالضبط.

شوقي: لازم ما كنش فيه ميه؟

زكي: الميه موجوده.

شوقي: أمال إيه اللى حصل؟

زكى: الرجل الصعيدي يا سيدي.

شوقي: ما له ... مات؟

زكي: لأ .. حلف يمين طلاق بالتلاتة ما حد من رجالة المطافى يمد إيده في الحريقة إلا ما يتغدو الأول)⁽³⁾

وهذا مثال واحد من أمثلة كثيرة في أنحاء الفصلين، واستعمل الكاتب لتعميق أداته الساخرة تلك، وسيلة اللغة، فنجد ثنائية اللغة بين العامية في وجه بحري، واللهجة الصعيدية بمنطوقها الصوتي، مع التفسير بين الأقواس لقارئ النص المسرحي، والتالي مثال: (عوضين: المانده (المناجة) دي أنواعها كتيرة قوي، .....)

النص يتمتع بكل مقومات المسرح الناجح من حيث الثراء الكومدي، الاستعراضات الغنائية، الموضوع ، لغة السرد، دقة الجمل وبلاغتها وتلك هي مقومات المسرح الناجح. علاوة علي التوازن في عرض القضية بأسلوب يحفز علي  الحل، ومن خلال الدعوة  غير المباشرة يستصرخ النص  الدولة  لوضع يدها علي القطاع الطبي بالكامل  لمنع ووقف مهزلة سرقت الأعضاء البشرية وعلاج الفقراء وكافة الشرائح  وفق نظام طبي متطور وتلك هي رسالة التنوير المشعة بالنص المسرحي مما يؤكد أننا أمام كاتب من طراز خاص يعلي من  شأن الصالح العام وينتصر للقيم الإنسانية النبيلة في إطار كوميدي متفجر بالمرح لينطبق علي النص المثل القائل: "شر البلية ما يضحك".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش:

(1)    د. محمد حسن عبد الله – أقنعة التاريخ (قراءة مسرحية) – الهيئة المصرية العامة للكتاب – ص 44

(2)    صلاح شعير – وطن للبيع – دار الحضارة العربية - ص 159.

(3)    صلاح شعير – مصدر سابق – ص 164