القائمة الرئيسية

الصفحات

شرين عبد الوهاب ونهر النيل


بعد ظهر فيديو للفنانة  شيرين يبرز ردها على إحدى المعجبات التى طالبتها بأغنية "ما شربتش من نيلها" فى إحدى حفلاتها بدولة عربية، قائلةً: "هيجبلك بلهارسيا"، وقالت شيرين ساخرة: "اشربى إيفيان أحسن" فى إشارة منها لنوع من المياه المعدنية.

أشتعلت الدنيا، في مواقع التواصل الاجتماعي، والفضائيات، والصحف،  والمناقشات بين الأفراد في معظم الأماكن، بسبب إهانة النهر الخالد، لأن جريمة الإعتداء على النيل خيانة لكل المصريين.

ومن ثم يجب تحديد نوعية هذه الخيانة التي تستوجب العقاب؟  وسوف نكتشف أن بعض من هاجموا شرين عبد الوهاب أخطأوا الهدف،  لأن من خانوا نهر مصر وأجرموا في حقه هم من حولوا النهر إلى مقبرة للحيوانات النافقة، أو من يلقون الصرف الصحي في النيل،  وهذا  الجرم يساعد على نمو  البكتيريا المختلفة، التي يؤدي بعضها إلى الإصابة بمرض حمى التيفود، والنزلات المعوية، وبعضها يسبب الإسهال، أما بكتيريا اللبتوسبيرا فيترتب عليها أمراض التهابات الكبد والكلى والجهاز العصبي المركزي،  أما بكتيريا الفيبريو فتسبب مرض الكوليرا.

 أما الصرف الصناعي وما يحويه من مواد كيميائية مثل مركبات الرصاص، والزئبق، والكاديوم، والزرنيخ، والمبيدات الحشرية له تأثير سام على البشر، علاوة على الخلل  البيئي.

ومع أن الإعلام المصري  رصد ومازال يرصد هذه الظاهرة منذ عدة عقود عبر كافة وسائله،  ولم يتحرك أحد لوقف هذا العدوان أو محاسبة المتسبب،  فعلى سبيل المثال لم نسمع صوت وزارة الصحة تشرح لنا خطورة الصرف الصحي والكميائي على صحة البشر، كما سمعنا المتحدث باسمها  يقول: "أن مياه النيل لا تسبب بلهارسيا، حال تناولها مباشرة"، ولم يتحرك البرلمان  ليطلب محاسبة كل من يعتدي على نهرالنيل، كما تحرك بعض أعضائه يطالبون بمعاقبة المطربة.

أما نقابة الموسقيين التي اخفقت في إنقاذ الشعب المصري من التلوث السمعي، دخلت على الخط لتعزف مقطوعة للوفاء في غير محلها.

إن ما قالته شرين عبد الوهاب يتناص من حيث  المضمون مع الأمثال الشعبية، والنكتة كأحد أدوات التعبيرعن الرأي بالسخرية، وهذا النوع لا يقصد به إهانة الوطن، ولكنه قد يسلط الضوء على لب المشكلة أملا في الحل، أو للدعابة، والفكاهة والتندر. ولذا نجد أن بعض أجهزة الأمن القومي تقوم بتحليل النكات لقياس الرأي العام، بهدف حل المشاكل وليس بهدف معاقبة قائل النكتة ومرددها.

هل كانت الحملة القومية الناجحة، والتي قادتها وزارة الصحة في الماضي عبر التلفزيون المصري للتوعية بأضرار البلهاريسيا إهانة للنهر؟  وهل يمكن أن ننكر أهمية المشهد الدرامي الذي جسده الفنانان الراحلان محمد رضا، وعبد السلام  محمد؛  في التوعية بخطورة البلهاريسيا؟  وبعدها تحولت المقولة الشهيرة : " طول ما دهرك للترعة عمر البلهاريسا في جسمك ما ترعى" إلى فلكور راسخ في عقول المصريين، كما استقرت في وجدان شرين، وغيرها.

أما تصوير الأمر على أنه إهانة لمصر في الخارج، فهو رأي فيه مبالغة؛ لأن الأمم المتحدة والمنظمات المعنية بالتنمية البشرية، والبيئة، ينشرون كل ما يتعلق بالدول من تلوث، وتعليم، وغيرها في تقارير متاحة للحكومات والمجتمعات والأفراد.

 يجب التوقف عن هذه الملهاة، التي تحولت إلى كوميديا سوداء بسبب تضخيم ذلة لسان غير مرغوبة، قد أعتذرت عنها الفنانة المذبوحة.

 الوطنية الحقيقة يا سادة تكمن في حتمية إنقاذ ماء النهر من التلوث،  وليس تعويض الإخفاق في حماية شريان الحياة بجلد هذا أو ذاك.



تعليقات

التنقل السريع