بقلم: د. إيهاب محمد علي
تختلف أحلام اليقظة من إنسان الي آخر ولكن قد يجمعنا حلم
واحد، وقد تجد في حلمك ما يسعدك ولا يسعد
غيرك، وما سعد غيرك قد لا يسعدك، ولكن عند قراءة في كتاب "بناء
الاقتصاد العربي" الصادر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة، سوف
تتجلى صورة الحلم الذي يسعدنا جميعاً كعرب للكاتب القدير والخبير الاقتصادي صلاح
شعير، والذي مازال يتحفنا بكتاباتة والأدبية،
والاقتصادية، الاجتماعية، وغيرها من المجالات المتنوعة، والتي تتميز بأنها تنير الطريق أمام القارئ
العربي.
يتحرك الحلم العربي
القديم الجديد نحو التكامل في هذا الكتاب
القيم، وكأنه فيض من الأماني العذبة، والمغزولة بالحقائق والأرقام، والمقومات
الكبيرة التي تؤكد نجاح الفكرة حال التحرك نحوها بصدق، ورغم أن هذا الحلم قد طال انتظارة وتفعيله، ومازال في المخاض رغم
الاتفاقات والمعاهدات إلا أننا ننتظر من الدول العربية الكثير.
تحرك بنا
المؤلف في هذا الكتاب في رحله بين الواقع
الأليم تارة، وبين الحنين للماضي التليد
تارة أخرى، إلا أنه لم يفقدنا الامل وتلك
هي الإضافة الحقيقة في هذه الدراسة، لأنها
وقفت بنا عند محطات هامة جدا ، لتذكرنا
بما هو قائم، و ما يجب أن يقوم العرب لرسم
مستقبله بالعمل، والصبر.
النهوض برأس المال البشري: تحدث
الكاتب في البداية عن شئ في منتهى
الأهمية، ألا وهو رأس المال البشري، فأذا
كانت بعض الدول تعتبر الثروة البشرية عبأ عليها إلا واقع الحال يؤكد أن المخزون
البشري يمد المجتمع بكمٍ من العقول تستطيع بالعلم حل كافة المشاكل،
والخلافات السياسية عبر مناهج العدل والعلم، وما يؤكد هذا الطرح أن الدول المتقدمة
تعتبر أهم مقومات نجاحها هو الاستثمار عبر
رأس المال البشري، فقد جاءت ضربة البداية في
الكتاب موفقة؛ أذن أنها حذرت الحكومات من
تدهور التعليم والصحة في العالم العربي، وخطورة ما يترتب على ذلك من تدن في في
إنتاجية العامل العربي، ومن ثم فقدان القدرة
على المنافسة محليا ودوليا، ولذا لايمكن
بناء الاقتصاد العربي إلا من خلال علاج أوجه القصور في مجالات التعليم بوصفه قاطرة
التنمية التي تجر خلفها كافة القطاعات المنتجة.
و قد ركز الكاتب على ضرورة تفعيل المؤشرات
التي تهتم بقياس برامج التنمية البشرية، ولا
سيما في مجالات التعليم الأساسي الذي يعتبر حجر الزاوية في نهوض الأمم، حيث أثبتت
بعض الدراسات والابحاث أن معدلات الذكاء لدى الطفل العربي مرتفعة، إلا أن عشوئيات المناهج قد تؤدي الي انحدار هذا
الذكاء، و خاصة مشكلة التسرب في مرحلة التعليم الاساسي، ومشكلة التكدس بالفصول في لعض الدول، وما تسفر عنه في تراجع القدره على
التفاعل بين الطالب والمعلم، علاوة على ماڤيا الدروس الخصوصية وما تسببه من مشاكل
تربوية واقتصادية في المجتمعات العربية.
مشكلة التعليم
الجامعي:
وفي إطار التنوير استعرض الكاتب بعض المشاكل في مجال التعليم العالي
بالوطن العربي، عبر مقارنات بين الجامعات العربية بالأجنبية، محذرًا من ضعف معدلات الانفاق علي التعليم الجامعي، أذا ما قورنت بما
ينفقه العالم على هذا النوع من التعليم، حيث
توجد علاقة طردية بين الانفاق وجودة المخرجات
العملية، وتطرق الباحث إلى ظاهرة تزوير الشهادات الجامعية، و شراء الدرجات في مراحل الدراسات العليا، وخاصة
شهادة الماچستير، والدكتوراه، لأن هذه الظاهرهة السلبية لها آثار مدمرة على الاقتصاد، والمجالات
الأخرى، حال نفاذ هؤلاء المزورن لتولي
المناصب، ومهام الإدراة.
الاقتصاد الخضر: كما طالب
المؤلف بالاهتمام بالصحة، لأن
هناك علاقة وطيدة بين مؤشرات الصحة والانتاج، لأن الدول
تتكبد خسائر فادحة حال إهمال
الرعايه الصحية.
ينضم المؤلف للقافلة الخضراء التي تحذر الجميع من
خطورة التلوث الذي أصبح يحيط بنا جميعا، داعيا
إلى تطبيق أليات الاقتصاد الاخضر، حيث
أشار في الفصل الثاني إلى ضرورة حماية البيئة العربية، ومحاربة التلوث
بالاقتصاد الاخضر ، الاهتمام بالطاقات المتجدده التي تحد من ارتفاع معدلات الإنبعاث الحراري، حين أوضح الاهمية
الاقتصادية للمنتجات الخضراء، وكيفية
حماية الهواء من التلوث عبر التوسع في الزراعات طبقًا
لظروف كل قطر عربي، بصورة تفيد الاقتصاد والبيئة في آن واحد.
ثراء العالم العربي: تؤكد الحقائق
والأرقام أن الوطن العربي يمتلك مقومات
التكامل، وتتمثل هذه المقومات
في الأرث الحضاري، والجغرافيا، والثروات النفطية، والمعادن، وبعض المقومات الزراعية، والثروة البشرية، وهذا التنوع في الموارد يمكن الاستفادة منه في مجالات كثيرة، وبما
ينعكس على رفع معدلات القيم المضافة، وذلك حال خوض مجال الصناعات التحولية،
والإستخراجية، للسيطرة على الأسواق العربية، لأن الهبات الطبيعية مع
الثروة البشرية توفران الفرصة للنهوض
الاقتصادي، حال نجاح مخططات التكامل،
للمرور نحو المستقبل عبر بوابة التجارة البينية بين الدول العربية، وبشرط
التمهيد لعصر الإنتاج السلعي المتميز،
وتصنيع الخامات العربية وتصديرها كمنتجات تامة الصنع بهدف تلافي مشاكل تقلبات سعر
النفط، وقرب نفاده، وذلك بتطوير الإستراتيجيات
الصناعية، وهيكلة الاقتصاد العربي.
معوقات غير اقتصادية: طرح الؤلف بعض المشاكل غير الاقتصادية، والتي قد تعرقل فكرة حلم التكامل، ومنها مشكلة الحدود التي أصبحت من أخطر المشاكل المؤثرة في العلاقات بين الدول
المتجاورة، وحل هذه المشاكل العالقة يتطلب التعامل معها بروح من التسامح، لأن نتائج التكامل الاقتصادي في ظل التعاون المشترك
تحقق من العوائد عشرات الأمثال من النتائج المرجوّة من المناطق المتنازع عليها، بالإضافة إلى أن الطائفية والإرهاب هما أيضا
سببًا من الأسباب التي تؤثر بالسلب على حُلم التكامل الاقتصادي؛ لقيامها بخلق
نوعًا من الصراعات التي تبدد الموارد، فضلا عن التمييز الإقتصادي ضد المرأة؛ كونه
يحرم المجتمع من طاقة خّلاقة يمكن لها أن تضيف الكثير إذا تم دمجها بشكل فعلي في
منظومة الإنتاج .
يتطلب نجاح حلم
التكامل الاقتصادي تغيرًا في السياسات، وذلك بالتزامن مع الصدق في النوايا،
من أجل تحقيق طموحات الشعوب العربية، حيث أن التكامل الحقيقي لن ينجح إلا بتضافر
كافة الجهود، لمواجهة الأرهاب بالتنمية، ومخططات تفتيت الأمة العربية بالعمل
والتلاحم بين الأشقاء العرب، فأذا كانت الظروف الحالية مؤلمة فأن الأمل عادة يخرج
من رحم المعاناة.
تعليقات
إرسال تعليق