دراستي المنشورة في مجلة عالم الكتاب بمجلة عالم الكتاب الصادرة عن الهيئة العامة المصرية للكتاب عدد يوليو 2017م
أدب الخيال العلمي هو أحد الفروع الأدبية
الهامة، ويمكن أن يصاغ منه القصيدة، والقصه القصيرة، والرواية، والمسرحية، ولذ لا
يمكن تقييد هذا النوع من الأدب بشكل محدد، بيد أن هذا النوع يتطلب كاتب يمتلك الثقافة
العلمية، ضمن تكوينه الفكري، أي أن أدب
الخيال العلمي يتحرك أنطلاقا من كاتب يجمع
الأدب، والمعرفة، ومتابع لقضايا العصر؛ حتي ينطلق بمخيلته نحو آفاق المستقبل بطرح أفكار
ورؤي جديدة يمكن تطبيقها عمليا في وقت لاحق.
والكاتب في هذا الأدب يجب أن
يتمتع بقدرة علي هضم العلم، وإعادة
تقديمه في صور مبسطة جدا لا تخل
بالمضون، ليتحرك نحو المستقبل بأفكار
جديدة، ويحذر أيضًا من الأخطار المحتملة،
ومن ثمار هذا الأدب؛ أنه يساعد على تكوين
الخيال العلمي والفكري لدي القراء عبر طرح الموضوعات من لب الظواهر العلمية
وتوقعاتها المقبلة، والتنبؤ بها، حتي يقدم
للعلماء أفكارًا تتعلق بمختلف ميادين العلم كالطب، والفيزياء، والجولوجيا، والطاقة،
وعلوم الفضاء، والحركة، وغيرها.
ورغم ندرة هذا النوع من الأدب في العالم
العربي ألا أنه يساعد على فهم العلوم العصرية بأسلوب شيق فمن خلال متابعه الأحداث
في السرد الأدبي، تعمل الحبكة الفنية، وعناصرالتشويق على زرع الفكرة في العقل
البشري زرعًا، وهذا هو بيت القصيد، وفي الدول المتقدمة قد يلجأ الساسيون إلى هؤلاء
الكتاب لوضع سيناريوهات مستقبلية، لرسم الاستراتيجيات العلمية التي تخدم المجالات
العسكرية والصناعه ككل.
وفي هذا
الإطار وبأسلوب آخر يقول د/ طالب عمران أحد رواد أدب الخيال العلمي بالوطن العربي ببساطة
يمكن ان تقول: "أن الخيال العلمي هو الانتقال عير آفاق الزمن على أجنحة العلم
المطعم بالمكتسبات العلمية، وغالبا يطرق كتابه أبواب المستقبل بتنبؤاتهم دون زمن محدد
فهو نظرة واسعة على العالم، يدخل فيها العلم فيخرج بحقائقه مع خيال الكاتب ليرسم أحداثًا
تنقلك إلى المستقبل أو الماضي السحيق فيثيرك
وتذهلك"
جذور أدب الخيال العلمي بمصر
ويرى بعض النُقاد أن هذا الأدب ظهر بمصر على
يد الناقد والقاص علي شلش منذ الاربعينات، ويشير محمود قاسم أن جذور الأدب
العلمي في مصر صارت في شكل فنتازي أسطوري وذلك في قصة "حديث عيسي بن هشام" بيد أن الخيال في حديث عيسي بن هشام اعتمد على الخيال قط دون الارتكاز على الحقائق
العلمية.
وقد جاءت مرحله الرياده في مصر بكتابات - د.
يوسف عز الدين عيسي- فكتب تمثليات إذاعية هامة منها: "أنباء هامة" و "رجل من الماضي" و "قصة الطوفان" و"عجلة الأيام.
وقدم توفيق الحكيم مسرحية "لو عرف الشباب" المنشورة عام 1950 وقصة "في سنة مليون
" و "الإختراع العجيب"
وغيرها، ومسرحيتين قصيرتين هما: "تقرير قمري" و "شاعر علي
القمر" ونشرهما في كتابه مجلس العدل 1972. وبعدها في مرحلة النشاط المحدود، ظهرت بعض الأعمال منها: منها قصة "المستشفي
عام 3001" للدكتور "يس العيوطي" وغيرها ويرى الكاتب يعقوب الشاروني أن أدب
الخيال العلمي في هذه المرحله كان أقرب الفانتازيا.
وقد تبلور هذا الأدب بمصر بكتابات "مصطفي محمود" خاصة "العنكبوت" عام 1964و"رجل تحت الصفر" عام 1967 إلى جاء الأديب "نهاد الشريف" بأعماله الرائدة المتخصصة في هذا المجال ومنها روايه " قاهر الزمن" 1972 وغيرها من أعمال أسهمت في ترسيخ هذا المجال بمصر وتربع علي عرش هذا الأدب نهاد شريف، ورؤوف وصفي، ويعقوب الشاروني، وكتاب جدد مثل صلاح معاطي.
وُشرفت بتقديم محاولة قصصية تمزج بين هذا
النوع الهام من الأدب والناشئة فتناولت أدب الخيال العلمي من منظور اقترانه بأدب
الأطفال فحاولت الجمع بين الحسنيين، علي تفصيل أشير إليه لاحقًا.
تجربتي مع أدب الخيال العلمي
بدأت هذه التجاربة في عام 2014 بكتابه رواية
الظمأ والحنين للفتيان، وما بعدها، وكان الهدف منها هو طرح بعض القضايا التي تهم
العالم العربي ككل، ومنها مشكلة ندرة المياه باعتبارها المصدر الأساسي
للحياه، والتنمية الاقتصادية الشاملة،
وذلك من خلال عرض مكونات الماء، الهدروجين
والكسجين، وسعي العالمة العربية "وفاء
حلمي" حسب الرواية لاختراع جهاز يقوم
بدمج الأكسجين والهيدروجين لإنتاج الماء من الهواء بالغلاف الجوي، وهذه الفكرة لها
مشاكل جمة، أهمها كمية الحرارة المتولدة عن الإندماج، وقد تمكنت العالمة من حل
المشكلة في نهاية الرواية.
وقد
تم طرح عدة محاور أخرى بالرواية، منها اختراع جهاز يستدعي الأحداث من الماضي بالصوت والصورة، يعتمد على أن الطاقه
لا تفني ولا تستحدث ولا تخلق من عدم، وذلك من أجل تصحيح المعلومات المغلوطه
تاريخيا، وحاليا، وما يدور منها في مجالات الإضرار بالبشر، وذلك من خلال عالم
البرمجيات "فارس المختار" الذي استطاع تصميم برنامج تكنولوجي يقي البلاد من الهجمات الصاروخية المعادية،
بتفجير أسلحة العدو في أماكن تخزينها.
كما أن الرواية قد أشارت إلى مشكلة انصراف
العالم عن النفط، نحو الطاقة المتجددة، وطاقه
الجاذبية الأرضية، وظهور استخدامات أخرى
للنفط، منها صناعة مواد أكثر صلابة من الحديد "البلاستك الصلب" ويستخدم في الحفر، وصناعة الآلات المتطورة، بالتزامن
مع تطور تكنولوجيا البناء بمعالجة
الرمال البيضاء، في صناعة الطوب الزجاحي في بناء البيوت الزجاجية بدلا من الطوب
الاسمنتي، والطوب الطفلي، والطوب الحجري، وتحول المباني من الشكل المستطيل أو المربع،
نحو البناء بالشكل الهرمي، بحيث يقام
المنزل علي شكل هرم.
معوقات تسويق الرواية:
كانت المشكلة الأولي: في إمكانية
نشر مثل هذه الاعمال التي ترتبط إرتباطًا وثيقًا بمدي جودة التعليم، ومدي الثراء الثقافي بشكل عام، وتلك هي المعضلة
التي توجه كُتاب أدب الخيال العلمي، حيث القارئ
لا يقبل علي مثل هذه النوعية، في ظل تعثر حركة التعليم بمصر والعالم العربي. كما أن
معظم دور النشر العربية عادة ما تعزف عن
نشر مثل هذه الأعمال، وبالتالي كنت أعلم مسبقًا أني أتحرك في فضاء شبه فارغ .
وحتى أخرج من مشكلة الاسقاط المباشر، تم وضع دول افتراضية ليس لها وجود في
الحياة، علي اعتبار أن العالم كله يتكون من واحات متصارعة، وان "واحة البلح" العربية تتصارع مع
شقيقتها "واحة الزيتون" بسبب
خلافات حدودية ذات أبعاد اقتصادية، وسياسية. وقد أسفر هذا الصراع العسكري داخل رواية "الظمأ والحنين" عن موت معظم الرجال، وإفقار الواحتين، وهروب الفاسدين بما كونوا من
ثروات نحو واحات الشمال الثرية.
كان "فارس المختار" يحاول
التصدي لهذه الفتن لجمع الأشقاء نحو
المصالحة، دون جدوي. ولم يستجب الأخوة
الأعداء لداعي السلام إلا بعد أن أرغمهم شبح الموت علي ذلك، بسبب جفاف الأبار، وندرة الماء، مما أجبر الجميع
على الجلوس علي مائدة المفاوضات للمصالحة، من أجل الحياة، وخاصة بعد أن أكتشف
الجميع؛ أن بئر الماء الذي تتصارع حوله الواحتين ملوث بمواد خطرة تؤدي إلي قتل البشر، جرّاء دفن
النفايات النووية بالقرب من البئر الوحيد
للماء علي الحدود الفاصلة بين الواحتين، من ثم ظهرت
ثقافة السلام التي تولد علي حافة
الفناء، بعدما قتل الرجال والنساء ودمرت مقدرات الواحتين.
نظرية المؤمرة في الرواية
وفي إطار رمزي، فضحت الرواية نظرية المؤامرة التي تحاك نحو
العرب، ولكن أرجعت الرواية نجاج هذه النظرية إلي عدم الوعي بالداخل، وكثرة
الخلافات، والمواجهات بين كافة التيارات، وصناعة الأرهاب إنطلاقًا من تعبئة الفكر
المتطرف، ودعمه بهدف غزو الأراضي العربية، تحت حجة محاربة الأرهاب، وحسب العادة تتربص بعض قوي الشر ببلاد الشرق، بهدف إلتقاط المتعصبين
لتحقيق أغراض سياسية، واقتصادية، واستعمارية من خلال وصم العرب بالإرهاب، وتلك المسألة علي وجه الخصوص كانت مقصودة،
كشق سياسي يستدعي حشد الوعي العربي، للقضاء علي ظاهرتي الجهل، والفقر، بإعتبارهما
المناخ الحاضن للأرهاب.
وقد مثلت "واحه الأثرياء" على الحدود
المتاخمة للأمة العربية أحد هذه القوى التي تحاول دعم التعصب، لتفتيت العرب،
بالتعاون مع دولة "واحة الشمال الكبير" بهدف بث الفتن ومنع هذه المصالحة، بالتزامن مع ملاحقة العلماء العرب بالواحتين؛ لإستقطابهم أو قتلهم، من أجل إبقاء شعب الواحتين في براثن التخلف.
قوة العلم سبيل البناء
كدأب أدب
الخيال العلمي بصفة، وبصفة خاصة في عالمنا العربي، أكدت الرواية بشكل قاطع أن القوة
تكمن فيما تملكه من علم، وفي سياق السرد
ظهر ذلك جليا عندما تم حل مشكله ندرة المياه
بالعلم، وبنجاح فكرة انتاج الماء من الهواء
الجوي، وعلي الصعيد العسكري تم حماية العرب من تسلط واحة الثرياء، عندما تمكن "فارس
المختار" من فك شفرات الاسلحة الموجهة لتدمير العرب، وإبطال مفعولها.
ومن ثم كان
العالم الافتراضي والخيال مجالين حيويين للتحرك في فضاء العمل الأدبي؛ بهدف وضع مشاكل العرب على طاولة البحث
العلمي، دون تخصيص، أو دون أن يكون ذلك موجها الي دول بعينها، حتى تكون الرساله التنويرية في العمل موجهه نحو
الاصلاح الشامل في صورة قواعد فكرية عامة ومجردة، لأن الأدب الإصلاحي والتنويري، يجب
ألا يتصادم مع أحد، حتي لا تقف بعض
الأيدلوجيات حائط صد أمام االهدف العام
للعمل الأدبي.
توجيه الرساله
الأدبية
وكان لابد من تم
تحديد الفئة المستهدفة لبث الفكرة
العلمية، وجاء اختيار المرحلة السنيه من الشريحة فوق 15 سنة، لأن هذه الفئة ذات خيال واسع، وتستطيع بعض العقول
فيها من التحرك مستقبلا نحو حل مشاكل المياه بالعالم العربي، كما أن القواعد العلمية
لدي هذه الفئة في طور التكوين، ومن ثم يكون زرع بعض الأفكار مفيدًا في التفاعل
مع القضية مستقبلا، ومن ثم استهدفت
الرواية الفتيان بالمرحلة الاعدادية والثانوية،
وهذا يؤسس للزراعة العلمية في العقول البكر، أملا في خروج الحل التكنولوجي في الغد
القريب من رحم العقول الواعية، من المشرق، والمغرب العربيين، لحل مشكله ندرة المياه.
ويؤكد هذا التوجه الكاتب الكبير يعقوب الشاروني إذ يقول: "أن معظم روائع أدب الأطفال تعتمد على الخيال، فالخيال هو أثمن هبة أعطتها الطبيعه للأطفال، وهو خيال أوسع من خيال الراشدين، وأخصب ولذلك يحرص من يكتبون للأطفال على توسيع هذا الخيال وتنميته، ولذا يعد الطفل فيما بعد 9 سنوات حتى 18 هو المجال الحييوي لهذا الأدب، ثم باقي الشرائح، وأدب الطفل يصلح لكافه الاعمار متى تناول قضايا هامة تم صياغتها بطريقه فنيه جيدة".
وحتى تصل الرسالة
بصورة سلسة، تم الاعتماد على عناصر جذب المتلقي، من خلال التشويق، والمفاجات،
وتنوع الأحداث الدرامية، كما تم طرح فكرة
تمكن العلماء مستقبلا من ترجمة لغة الطيور في إطار العمل الأدبي، وذلك من خلال الحمامة كرمز للسلام، والخير، والغراب كرمزللحرب،
والشر. وانتهت الرواية
إلى أن الحل في نهضة الأمة العربية؛ يأتي عبر المصالحات والعلم، والتعايش السلمي مع
كافه دول العالم بشرط امتلاك القوة التي تحمي هذا السلام.
مستقبل أدب الخيال العلمي
يرتبط مستقبل أدب الخيال العلمي بالوطن
العربي على جودة التعليم والنهضة الثقافيه لأن الرسائل الي تحملها تلك الاعمال موجهه الي العقول التي تمتلك القدرة على
الابتكار والتجديد، كما أن الحالة الاقتصادية المتردية في بعض من الدول العربية قد
تعرقل حركه هذا النوع من الأدب، لأنه من الصعب على البطون الجائعة التعامل مع
الأدب ككل.
كما أن بعض الحروب الأهلية، وبعض الصراعات الاقليمية،
قد يقفان حائلا أمام حركة الأدب، وخاصة في
كل من: العرق، وسوريا، واليمن، وليبيا؛ بسبب الصراع الدموي البغيض، علاوة على عدم الاستقرارالأوضاع،
في بعض البلدان التي مرت بثورات الربيع
العربي، ومن ثم سوف يعاني الأدب بصفة عامة جرّاء عدم الاستقرار، لأن المخططات الشريرة تقصف عالمنا العربي بهدف تفتيته، وتقسيمه وعليه
: سوف يتأثر أدب الخيال العلمي وربما ينكمش لمده عقد من الزمان تقريبا باستثناء بعض الحالات الفردية
التي سوف تتحمل عبء الاستمرار على مسئوليتها الخاصة لحين استقرار الاوضاع.
تعليقات
إرسال تعليق