القائمة الرئيسية

الصفحات

'وجبة شهية' تعلي مفهوم الطعام لكل فم



قصة سعدية العادلي الموجهة للطفل ذات بعد تربوي، وبناء فني متماسك.

صدرت قصة "وجبة شهية" في يونيو/حزيران 2017 عن دار مكتوب للنشر والتوزيع بالقاهرة، وتمميز برسومات مبتكرة بريشة الفنان إبراهيم مقلد، حيث كانت الصورة جزءا من إطار الطرح الأدبي، ومعبرة إلى درجة كبيرة، هذا التلازم بين الصورة والنص القصصي في أدب الطفل من عوامل النجاح، لأن التعبير بالكلمة والرسم يحققان التكامل بين الفن والأدب.

والقصة تناسب المرحلة العمرية من 8 - 10 سنوات، وقد ورد بالقصة العديد من القيم التربوية التي تم صياغتها بشكل غير مباشر وعبر بناء فني جيد، ومن هذه القيم ما يلي:

• الطعام من حق كل فم

تبدأ أحداث القصة عندما شاهد الطفل نور أثناء زيارة جده للغربان وهي تتناول الطعام، ولفت نظره أن الغراب الكبير يفسح المكان للصغير حتى يأكل معهم، وقيمة المشاركة في الغذاء والاعتراف بحق الآخر في الحياة من أسمى القيم التربوية التي يمكن صياغتها في وجدان الضعار، لأن الطعام من حق كل فم، تلك القيمة قد مرت عبر السرد الأدبي بتلقائية، وبشكل محبب لنفسية الصغير، ومن ثم سوف تنعكس هذا القيمة في السلوك العام، وهذا هو الهدف من الأدب القيمي، فالحق في الحياة مكفول لكافة البشر، وربما يصبح هذا المفهوم لاحقًا إطارا عاما حال التربية، والتنشئة السليمة منذ نعومة الآظافر، حتى لا يستمر تقاتل الكبار من أجل الفوز بكل مقدرات البشر، وكما يحدث في عالمنا المعاصر، لأن سبب كل الحروب هو الرغبة في الاستيلاء على خيرات الأخرين، من ثروات زراعية، ونفطية، ومعدنية، وكأن قيمة المشاركة في الطعام رسالة للكبير وللقوى العظمي ان تعترف بحق الصغير في الغذاء والحياة.



• حرمة الدماء

لقد أصاب الذهول نور الدين عندما شاهد سيدة تطارد الغراب، وخاصة أنه عرف من جده أن عالم الغربان منظم ويحكمه القانون، وقد رأى بنفسه أن الغربان تتقاسم الغذاء، ولذا لم يكن هناك مبرر لهذه المطاردة.

ولكن عندما يسرد الجد على نور الدين أن أول جريمة بشرية عُرفت كانت عندما قتل هابيل ابن آدم أخيه قابيل، وأن الله بعث غرابين تشاجرا وقتل أحدهما الآخر، وبعد القتل حفر حفرة ودفن أخاه الغراب، ومن هنا علّم الغراب البشر كيفية الدفن.

وكأن القصة تريد أن تقول إن لعنة الدم وحرمة النفس البشرية؛ قد جعلت كل البشر يطاردون الغراب كلما رأوه؛ كرها في ذكري أول جريمة قتل وقعت على الأرض بين بني آدم، لأن الفعل الإجرامي الذي قام به هابيل عندما قتل أخيه هابيل قد قام به الغراب عندما قتل غرابًا آخر، ومن ثم كانت العدوانية سلوكًا يستحق النفور من كل معتدٍ أثيم.

وربما يكون السبب في مطاردة الناس للغراب؛ في أنه يجسد لديهم صورة من صور العدوان على الروح، فعلى الرغم من أن الغراب هو المعلم الأول لبني آدم في كيفية الدفن، وأن هذه الطريقة في مواراة جسد البشر الذين ماتوا بصورة طبيعية طريقة جيدة؛ إلا أن ارتباط عملية التعلم - وقد جاءت بعد عدون أثيم على روح طاهرة - جعلت العقل الجمعي للبشر يطارد معنى العدوان في صورة الغراب، وربما يكون الغراب قد سبق البشر في ممارسة القتل، وتمرس على عملية الدفن، ولذا ينصب السخط البشري على ذكري العدوان، وليس على الغراب نفسه كطائر، وتلك القيمة ربما تجعل الأطفال يكرهون القتل كراهة تدفعهم إلى تحريم ممارسة هذا السلوك في المستقبل، لأن كراهية الدم سوف تترسخ في وجدانهم منذ مراحل مبكرة.

ومن ثم فان هذه القصة تضع حاجزا نفسيا ضد فكرة سفك الدماء، لأن من يفعل ذلك سوف يكون منبوذا ومطاردا من الجميع.

• قيمة التعلم بالمحاكاة


تنتهي القصة بقيام نور الدين وأخويه بتناول الوجبة الشهية مع الجد والجدة، ولكن بعد ان تعلم نور الدين الجانب الإيجابي من سلوك الغربان، فقد كان حريصًا على أن يفسح المجال لأخويه على مائدة الطعام، ومن هنا جاءت لحظة التنوير بالقصة، وقد غرس مفهوم المشاركة الإيجابي على اعتبار أن الطعام حق للجميع، وهذا هو الدور المنوط بالحركية الأدبية الجادة، لأن القصص وكافة أشكال أدب الطفل يجب أن تحمل قيم الإنسانية بالغة الرقي، حتى نستطيع أن نصنع جيلا يتمتع بسلامة الصحة النفسية، ومن ثم نقلص من حجم الجريمة، والحروب العدوانية، لتنعم كل البشرية بالسلام والعدل على الأرض، يجب محاصرة التطرف، والجشع في النفس البشرية منذ مراحل مبكرة، وعبر كافة الوسائل التربوية، والعلمية، والأدبية ومنها أدب الطفل.


تعليقات

التنقل السريع