القائمة الرئيسية

الصفحات

"رئيس التحرير" تكشف أسرار صاحبة الجلالة


رواية أحمد فضل شبلول تبرز تعثر الاستمار الثقافي، والاستغلال السياسي للفن، وتنعي أغتصاب الشواطئ المصرية.

صدرت الطبعة المصرية من رواية رئيس التحرير عن دار "الحسناء للنشر والتوزيع" بالإسكندرية بمصر، وكانت الطبعة العربية قد صدرت بالمملكة الأردنية الهاشمية دار "الآن ناشرون وموزعون".

ملخص الرواية: تدور أحداث الرواية حول الفتي مصري يوسف عبد العزيز؛ الذي أحب منى فارس، وحلما سويا بإصدار جريدة ثقافية، ولكن الظروف المادية جعلت هذا الفكرة تتبخر في الهواء، فذهبت الحبيبة للسينما، وأصبحت نجمة شهيرة، وأرتمى العاشق في حضن الغربة، ليعمل صحفيًا في إحدى المجلات العربية، وينجح في مهمته، بعد صراع طويل مع زملاء المهنة، ومحاذير الصحافة الحكومية، وبعد ثورة 25 يناير يعود إلى مصر، ولكن حلمه في أن يصبح رئيسًا للتحرير مازال قائما، وذلك يتطلب عودته إلى الدولة العربية، والتي كان يعمل بها، حيث أن هذا الحلم مقترن بتدخل امرأة آخري أحبته في الغربة، وهي الجوهرة إبراهيم، ومازال يفكر في ذلك، حيث  جاءت نهاية الرواية مفتوحة على كل الاحتمالات.



تميزت الرواية بالأسلوب الرشيق، وسهولة اللغة، ووضوح الشخصيات، وشاعرية الحوار، فقد طرزت ببعض الأبيات الشعرية الرشيقة، ومن حيث المضمون تطرح الرواية عدة قيم في ثنايا النص الأدبي، لتشرح من خلال السرد مشاكل الحركة الثقافية في مصر بصفة عامة، ومحاذير صاحبة الجلالة بصفة خاصة، علاوة علي مجموعة من القضايا السياسية، والاجتماعية، والفنية وسوف يتم عرض بعض محتويات هذا المضمون  كما يلي: 

الغيرة الأدبية: برز ذلك المعنى بالرواية ( ص : 8)، عندما تقرر إقامة مؤتمر أدبي بدولة خليجية جاء مندوب المؤتمر إلى مصر ومعه كشف به الأسماء المختارة، وقد  ضمت قائمة المدعوين من مصر اسم  يوسف عبد العزيز كشاعر، إلا أن أحد زملائه والذي تربطه علاقة صداقة بالمندوب العربي أنكر معرفة يوسف، ورشح له اسم آخر، وتلك القضية تعكس مدي تفشي ظاهرة الغيرة الأدبية، بشكل سلبي في أروقة البيئة الثقافية بمصر، وهذا يعكس الخلل في البنيان الأخلاقي لدى قطاع مصاب بالعمى، وقد دأب مثل هؤلاء المرضى على استبعاد المتميزين من الحقل الثقافي، مما أثر بالسلب على جودة المنتج الأدبي، فبدلا من أن يلجأ هولاء الأغبياء إلى رفع مستواه حتى تصبح أعمالها متميزة؛ يزيحون المهوبين حتى لا تطفو المواهب الحقيقية فوق قمم الإبداع، وينكشف العوار الفكري في أعمالهم.


القصور الفكري لدى بعض التيارات الإسلامية: في أثناء الدراسة الجامعية في ص 14 : 15، تم استبعاد  يوسف عبد العزيز من  مجلة إشراقة التي تصدر عن اتحاد طلاب كلية التجارة، والتي تسيطر عليه بعض التيارات الإسلامية، بحجة أنه كتب مقالا عن الشاعر الفرنسي "رامبو"، وهذا الشاعر كان شاذًا جنسيًا، في حين أن المقال يتناول الصور الفنية بالقصيدة، كنموذج جمالي في الشعر، ولا علاقة له بهذا السلوك الشائن، وهذا التصرف يعكس ضعف الرؤيا، فلو أن الدواء الذي يقدمه الطبيب للمريض صنعه صيدلي شاذ هل يتوقف المريض عن تناوله؟ هناك فرق بين المنتج الأدبي وشخصية صاحبه، ربما يكون هناك مبررٌ للرفض أن كان المحتوي يحمل فكرًا شاذًا.


الاستغلال السياسي للفن: الروائي كان مشاكسًا في طرحه الأدبي وعرج على قضية استخدام الفن كمخدر سياسي في الإلهاء بدلا من دوره في التنوير، (ص 28 : 30)، وبرر ذلك عقب صدور قرار رئيس الوزراء عبد المنعم القيسوني، برفع الأسعار في 17 /1 /1977، واندلعت بعدها المظاهرات يومي 18 – 19 يناير، وهو ما اطلق عليه اصطلاحا "انتفاضة الحرمية" ففي مساء أول أيام المظاهرات عرض التلفزيون المصري مسرحية مدرسة المشاعبين، فانصرف الناس عن المظاهرات،  ورغم أن هذا القرار اقتصاديا كان صحيحًا، من وجهة نظر الكثير من الاقتصاديين، وتسبب التراجع فيه إلى مشاكل مازلت قائمة حتى اليوم، ومن ثم تأتي  مناقشة هذا الاستغلال لتنصب على الشق السياسي كمثال، والذي تطور فيما  ليصبح  هذا الاستغلال نوعا من توجيه الرأي العام، نحو بعض القضايا، منها ما هو مختلف عليه، ومنها ما هو إيجابي لبناء الأوطان.


الاسثمار الثقافي: طرحت الرواية ( ص:  34)،  مشكلة مازالت قائمة، فالاستثمار في الصحافة لا يدر عائًدا، ومن ثم يجبن رأس المال عن الخوض فيه إلا لأسباب محددة، منها الدعاية لمصلحة رأس المال والتمهيد لسن تشريعات تخدم مصالح أصحاب الثروة، فنجد أن الصحافة الخاصة تفرض رقابة صارمة على ما ينشر إذا كان ضد مصالحها، وتتفوق على الرقيب الحكومي في الصحف القومية الذي يحذف كل ما لا يعجب الحكومة، وهذه المعادلة الشائكة تجعل الاستثمار الثقافي في المجال الإعلامي مغامرة محكوم عليها بالفشل.



حرب الصحفيين: هو نوع آخر من المواجهىة غير الشريفة بين بعض الصحفيين، وقد برز ذلك (ص 66:68 )، فقد عرف يوسف عبد العزيز أن زميله بالمجلة مشرف على باب الشعر هو الذي رفض نشر قصيدته بالمجلة عندما أرسلها من مصر قبل تعينه،  واستمر هذا الزميل كذلك يحيك المؤمرات ضد يوسف بعد تعيينه بالمجلة دون سبب يذكر، وتعرج الرواية على مشكلة صناعة نجوم من ورق عبر نشر بعض الأعمال الأدبية الهابطة مقابل المال والهدايا، والرشاوي، والكتابة عن أنصاف الموهبين، على حساب المساحة المخصصة للمواهب الحقيقة، حيث يعج عالم الصحافة بالفاسدين، والمتعجرفين والمضللين، وهؤلاء يجهضون عمل أصحاب الأقلام الحرة، ويلوثون طهارة الأقلام البريئة.


الصحافة المواجهة: يبرز المؤلف ( ص 99 :101)، أن أسوأ دورٍ للصحافة هي الصحافة أحادية الجانب، التي لا  تطرح وجهة النظر إلا من طرف واحد، وخاصة في المسائل التي يكون فيها الحوار مثمرًا، وقد حدث ذلك مع يوسف عبد العزيز بطل الرواية عندما تقدم بسؤال ثقافي حول السينما، في  أحد المؤتمرات التي كان يغطيها، بعدها استدعاه رئيس التحرير، ووبخه لأنه غير مسموح بذلك، عليه أن يكتب ما يملى عليه، ويقوله المنظمون للمؤتمرات دون جدل، وبالطبع تمتد هذه الأحادية على كافة أشكال العمل الصحفي، مما يحول الجرائد إلى مجرد نشرات يومية  أو دورية في يد ملاكها.


سرقة الرسائل العلمية: رفضًا لتلويث الواقع العربي، أشارت الرواية (ص 96) إلى مشكلة سرقة الرسائل العلمية، حيث  يقوم بعض الشباب بتكليف آخرين بكتابة رسائل الماجستير، وكأن صرخة الكاتب تحذر الجميع من هذا الجريمة البشعة، لأنها تضع الجاهل فوق العالم، واللص فوق الشريف لإدارة مقدرات الدول، مما ينعكس بالسلب على مستقبل الأمة، فكم تزيف أقلام المنافقين الصحافة، يهدم أصحاب الشهادات المزورة المجتمعات العربية بالغش.

عشق الوطن: تأسس الرسالة لقيم الوطنية (ص: 70)، وتجلى ذلك عندما قام يوسف عبد العزيز بالسفر للعمل كصحفي بمجلة خليجية، فقد قام بملء زجاجة صغيرة من ماء البحر الأبيض المتوسط، ووضعها في الحقيبية، وكان كلما حنّ إلى مسقط رأسه؛ أخرج الزجاجة ورجّها واستنشق الهواء المتصاعد من الفقاعات الصغيرة، هذا الحنين للوطن يفسر لنا مدى تعلق المصريين ببلادهم، فخروجهم منها لم يكن سوى مناورة مؤقتة للتغلب على قلة الموارد، وضعف الأجر، والفقر، إلا أن هذا التصرف الرومانسي كان يذكره أيضًا بحبيبته منى فارس، لأن الماء الذي بالزجاجة كان من أسفل كازينو الشاطبي المقام على أعمدة خرسانية فوق الماء.


أغتصاب الشواطئ المصرية: برز ذلك المعنى في (ص: 72)، حيث كانت هموم الوطن، وأوجاعه أمام عين يوسف عبد العزيز، وكان يبكي تحول شواطئ البحر الأبيض المتوسط  بمصر إلى كتل خرسانية، فشوهت مدينة الإسكندرية، والساحل الشمالي، وكان عندما يرج الزجاجة المملوءة بماء البحر؛ يرى في الفقاعات صورة الكتل الأسمنتية فيتحسر على قتل الجمال والطبيعة فوق أجمل بقاع مصر، فيخرج صوته المبحوح ينعي الشواطئ المغتصبة بالمباني العشوائية.


سرقة الاثار العربية: وعلى المستوى القومي طرحت الروية قضية سرقة الآثار العربية (ص:125)  وذلك عندما شاهد تمثال من قصر هشام بن عبد الملك  كان  معروضًا في متحف الآثار الفلسطنية، الذي صادرته مصلحة الاثار الأسرائيلية عام 1967، بعد احتلال القدس، فقد شاهد يوسف عبد العزيز هذا التمثال المسروق في قصر الجوهرة إبراهيم صديقته، وهذا السطو الصهيوني على تراث فلسطين الحضاري، يذكرنا بما نهبوه من  الآثار المصرية من شبه جزيرة سيناء أثناء احتلالها 1967، وحتى تحريرها، ويذكرنا أيضًا بسرقة الآثار العراقية بعد الاحتلال الأميركي لبغداد عام 2003.





تعليقات

التنقل السريع