رواية صلاح معاطي تنطلق من منظور قومي، وتؤكد أن المعارف هي السبيل الوحيد لبناء البشر.
تعد رواية "شفرة آدم" والصادرة عن دار
الطلائع للنشر والتوزيع بالقاهرة هي الرواية العشرون في أدب الخيال العلمي للكاتب المتميز
صلاح معاطي، والذي بلغت أعماله الأدبية نحو خمسة وثلاثين كتابًا، وتأتي صرخة صلاح معاطي
في هذه الرواية كتحذير درامي لتحفز المصريين وكل العرب على ضرورة التسلح بالعلم في
كل المجالات، للنهوض بالأوطان، لأن المعارف هي السبيل الوحيد لبناء البشر والدول، وفي
ظل تحديات العولمة، لا مفر من طرق أبواب المعارف وبناء سياج معرفي لحماية متتطلبات
الأمن القومي، وقد نجح الأديب في صياغة مشروعه الروائي بحبكة متماسكة، ورسم الشخصيات
بما يناسب دورها، كما أن الحوار بالنص الأدبي كان حيًا، حيث جاء البناء الفني مكتمل
الأركان، ونجح الكاتب عبر الخيال العلمي في تمرير كل ما يريد طرحه من أفكار، وقضايا
معاصرة، بعمق وسهولة ويسر.
• ملخص الرواية
تدور أحداث الرواية في واقع افتراضي بين أراضي
كل من: الولايات المتحدة الأميركية، وإسرائيل، ومصر، حيث العالم المصري شريف أيوب الذي
اخترع شفرة وراثية قابلة للنسخ فوق الخلية البشرية، وميزة هذه الشفرة أنها تحتوي على
بيانات يمكن أن تبطل مفعول الأسلحة النووية، وهي على الأرض، قبل الاستخدام، بهدف حماية
البشر من شر هذا السلاح الفتاك، وهذا البحث العلمي في عالم الرواية أزعج القوى المهينة
على مجريات التكنولوجيا المتطورة، فقررت تصفية العالم المصري، وقبل اغتياله قام بزرع
هذه الشفرة في جينات ابنه عمه آدم أيوب، ثم أعطاه كلمة السر على شريحة حتى يمكن استعادة
المعلومات المخزنة في خلاياه، للاستفادة منها بمصر، وعندما شعر آدم أيوب بأهمية هذا
الأمر لبني وطنه، جرت في عروقه نخوة العربي الذي ينحاز للهويته عند الخطر، وتحول من
مستهتر إلى إنسان جاد كل هدفه العودة إلى بلاده لتسليم البحث إلى العالم المصري برهان
القليوبي.
وبعد عدة مناورات ينجح آدم أيوب في العودة إلى
مصر عبر إسرائيل منتحلا اسم ستيف سميث، ذلك الشخص المتهم بارتكاب جرائم تعذيب للمحجوزين
في معتقل جونتنامو.
وفي مصر يلتقي بالعالِمة ونس حبيته القديمة وابنت
عمه، والتي كانت تذوب فيه عشقًا، ولم تتزوج بعد رحيله، وتفرغت للبحث العلمي، ولكن عملاء
المخابرات الخارجية، يلاحقونه داخل الوطن لتصفيه، ولكنهم أخطأوا الهدف عدة مرات وقتلوا
شخصيات أخرى، منهم العالم برهام القليوبي المنوط به فك الشفرة.
وتستطيع الحبيبة ونس بعد طول بحث من فك الشفرة
الوراثية المحملة على خلية آدم أيوب، ونسخ كل المعلومات المهمة، على الخلايا البشرية
لطلابها والكثير من الأطفال حتى يتسنى توفير هذه المعلومات لاحقًا للأجيال القادمة،
وفي النهاية تتزوج من حبيبها وبعد ليلة من هذا العرس يستطيع عملاء الشر اغتيال آدم
أيوب عقابا له على نقل المعرفة لوطنه، ولكنه في لحظة الاحتضار يشعر بالنصر، لأنه قد
منح بني وطنه سر الاختراع الذي سوف يسهم في نقل الأمة إلى عالم المعرفة.
• تحليل المضمون
تحتوي الرواية على الكثير من القيم الفكرية، والقضايا
الوطنية التي تؤكد أن الأدب المصري لم يكن في يوما ما بمعزل عن القضايا الشائكة التي
تهدد مستقبل الأمة، وأن الحسن الوطني غريزة فطرية تمتزج بالحبر فوق الورق لتحذر الجميع
من خطورة الصراع العالمي حول جريمة احتكار المعرفة، ومنع دول العالم الثالث من امتلاك
زمام التكنولوجيا، وخاصة العالم العربي بهدف ضمان السيطرة، ومحو الهوية الوطنية في
زمن العولمة لصالح القوى العظمى، وبأسلوب غير شريف.
كما أن الأديب استطاع إبراز المنهج الوسطي وقبول التعايش مع الآخر على اعتبار أن الدين لله والأرض للجميع، وذلك عندما استخدم الكاتب آية من القرآن، وسفرًا من النجيل، وآخر من التوراة، في ص 11 وهذا النمط يؤكد ضرورة احترام كافة الأديان، لأن الصراعات القائمة ليس بسبب حرية العقيدة، وإنما بسبب رغبة الأقوياء في الاستمرار في نهب مقدرات العالم بكل السبل، وفي أي زمان ومكان، وسوف يتم عرض بعض المحتويات الفكرية برواية شفرة آدم كما يلي:
- العمل هو مفتاح التقدم:
عندما يطرح الكاتب صورة المجتمع الإميركي، يؤكد
لنا أن هذا البلد الكبير لم يصنع حضارته إلا من خلال شيوع ثقافة العمل الجاد، بدليل
ذهاب العالم المصري شريف أيوب إليه ليكمل أبحاثه، حتى أن آدم أيوب ذلك العابث المستهتر
منذ سفره كثيرا ما كان يردد: كي تعيش في أميركا عليك ألا تنام إلا أربع ساعات، وهذا
الدلالة إنما جاءت بالرواية لتشرح طبيعة المجمتع الذي يتصدر المشهد العالمي، فهذا التفوق
لم يأتِ من فراغ، بل هو جهد وعرق، وأن كان هذا الجهد قائم في جزء منه على استغلال الآخر،
وهو أمر مرفوض خلقيا وإنسانيا، ويجرمه كل الشرفاء في العالم ومن داخل المجتمع الغربي
نفسه، والدرس المستفاد من الحضارة المادية بالولايات المتحدة الأميركية أن شعوبنا العربية
بالشرق الأوسط عليها نشر واحترام ثقافة العمل، ولكن بشكل يجمع بين قيم الحضارة المادية،
والأخلاقية، ولعل ذكر بعض الأيات القرانية، وأسفار الكتاب المقدس تؤكد هذا الاتجاه
الروحي والقيمي.
- القضية الفلسطنية بالضمير العربي:
تعيش القضية الفلسطنية في ضمير كل عربي بصفة عامة،
وفي وجدان كل مصري بصفة خاصة، وظهر ذلك في ص: 18 - 17 عندما ينحاز آدم أيوب ذلك الغارق
في العبث إلى القضايا العربية، فيخرج في مظاهرات منددا بالوحشية الإسرائيلية، ومطالبا
بحقوق الشعب الفلسطيني، ويسعى لتدعيم اللوبي العربي في مواجهة اللوبي الصهيوني، وهذه
الإشارة الخافته وإن كانت تمهيدًا للتحول في شخصية آدم أيوب من العبث إلى الجدية على
اعتبار أن النزعة الوطنية غريزة بشرية فإنها تؤكد أن الوجدان العربي لم ولن ينسى الحقوق
المشروعة للشعب الفلسطيني.
- تصفية العلماء العرب:
الرواية تطرح أمام الجميع خطورة هذه القضية على
الأمن القومي العربي، فاغتيال شريف أيوب بالرواية يؤكد لنا أن المنهج الفعلي والإجرامي
المتبع في الغرب، لا يزال مستمرًا، ويقوم على استقطاب العلماء العرب لخدمة المجتمع
الغربي أو تصفية العقول التي تقرر العودة للأوطان بهدف بنائها، وهذا الحدث يذكرنا بالكثير
من الاغتيالات التي تمت على أساس عنصري، ومنها إغتيال د. يحي المشد عالم الذرة: وقد
دفع هذا العالم المصري حياته ثمنا للمعرفة في 13 يونيو/حزيران عام 1980، فى حجرته بفندق
الميريديان بباريس، وقد اعترفت الولايات المتحدة بقيام الموساد الإسرائيلي باغتيال
العالم المصري، وذلك من خلال الفيلم الوثائقي الأميركي "Raid on the Reactor" الذي عرض على القناة الوثائقية
الأميركية "ديسكفري" في أوائل عام 2012. وقد أشار الفيلم إلى أن المخابرات
الإسرائيلية بعد أن فشلت في تجنيده، قرروا القضاء عليه، وهذا نموذج من الكثير من جرائم
تصفية العلماء المصريين والعرب.
- أخطار الأرهاب الأعمى:
ومن بين الموضوعات الكثيرة أن الرواية صورت لنا
أن الأرهاب الأعمي قد تتساوي نتائجه مع أهداف أعداء الوطن، وذلك عندما صور لنا الكتاب
أن عملاء المخابرات الخارجية الذين يستهدفون قتل آدم أيوب، والذي دخل مصر باسم أحد
المتورطين بتعذيب بعض المعتقلين المسلمين، ومنهم مصريون بمعسكرات جونتنامو، وقد اشترك
معهم في نفس الهدف أقطاب بعض التنظيمات الإسلامية، وهذا الاستهداف خطأ لأن هذا الرجل
فرَّ من الغرب من أجل بلاده، وهذا يدلل على أن الجهل يوقع الناس في مواقع التهلكه،
كما أن القصاص من المجرمين يجب أن يكون عبر القانون فقط، ولا يجوز وجود سلطتين في دولة
واحدة لأن ذلك يصنع الفوضى.
- تعدد
القيم:
الرواية بها الكثير من القيم المتعددة، منها الإيثار، وإعلاء قيمة الدور الوطني لأجهزة المخابرات المصرية، لأن الحروب التي يخوضها الآخر تمر عبر التخابر، وجمع المعلومات، للإضرار بنا، في ظل معادلة بالغة التعقيد، منها اختلال موازين القوة لصالح أقطاب الهيمنة، وفي منحى إنساني رقيق لترطيب الأجواء تعلي الرواية من شأن قيمة الحب النبيل كغريزة بالغة التأثير على عواطف البشر، وفي اتجاه ثقافي يتحرك الكاتب ليبرز أهمية الفن الراقي في تخليد القيم والأعراف، والبطولات المصرية والعربية من خلال الدراما والسينما.
* الخلاصة:
تعليقات
إرسال تعليق