دراسات
ورغم هذا ثبت بالدليل العملي أن هذه الأجهزة لا تتفوق علي
الأجهزة العربية سوي في الإمكانيات التكنولوجية والمادية فقط، أما القدرات العقلية
فهي الفيصل في نجاح أنشطة أي جهاز، وقد اسطاعات المخابرات المصرية من خداع وكالة الاستخبارات
الإمريكية في عام 1973م، وما يؤكد ذلك ما أفرجت عنه المخابرات المركزية الأمريكية من
وثائق وتقارير عام 2013م، تعترف بالقصور في دور المخابرات الأمريكية خلال فترة حكم
نيكسون في توقع الحرب يوم 6 أكتوبر وكيف كان محللو المخابرات الأمريكية غير مقتنعين
بأن ضربة موجهة لإسرائيل كانت وشيكة.وخلال الحرب تشكل فريقًا من المخابرات الأمريكية
لإعداد تقرير عن الحالة يتم تحديثه كل ست ساعات يومياً ، وخلال الحرب قدم الفريق
125 تقريرا كان آخرها في يوم 19 نوفمبر، وذلك لمد إسرائيل بكل ما يلزمها من معلومات
عن الجبهة المصرية ، وتحرك القوات، والمشاركة في وضع بخطط عسكرية، وفتح مخازن السلاح
الاستراتيجية لتمكين العدو الصهيوني من صد الهجمات المصرية، هذا بخلاف الدعم السياسي،
والمادي، واللوجستي للقوات الإسرائيلية ، وهو ما يعني أن مصر بأدوات عسكرية بسيطة كانت
تحارب الولايات المتحدة وإسرائيل بغطاء غربي ، ومع إختلال ميزان القوي تمكنت العسكرية
المصرية من فرض وجودها علي الساحة الدولية وإرغام المحتل لاحقًا علي القبول بالإنسحاب
من سيناء، رغم مخالفة ذلك لفكرة إقامة دولة إسرائيل الكبري من النيل إلي الفرات .
بعد حرب 1973م، اعترف وزير الدفاع الإسرائيلى آنذاك موشيه
ديان بأن مصر نجحت فى استخدام أفراد الاستطلاع للحصول على معلومات تصل إلى 80% عن قدرات
الجيش الإسرائيلى، وبالبشر استطاعت مصر أن تعوض ضعف القدرات الفنية في رصد المعلومات،
علاوة علي النجاح الباهر للمخابرات المصرية عندما نفذت أفضل خطة خداع استراتيجى آنذاك.مما
أسهم في تصحيح الخلل في التوازن العسكرى والتكنولوجي عبر العقول المصرية.
وعلي الصعيد الدولي في إطار الرغبة في فرض النظم الرأسمالية
علي العالم بشتي السبل، أخفقت المخابرات الأمريكية CIA إخفاقًا ذريعًا في اغتيال الزعيم الكوبي «فيدل كاسترو » ولاحقًا تبين أن
زعيم الثورة الكوبية قد تعرض إلى 638 محاولة اغتيال دبرتها الإدارة الأمريكية أو جماعات
من المعارضة الكوبية مدعومة من الولايات المتحدة خلال الفترة بين عامي 1953 و1973م،
وعربيًا في العراق، وأثناء فترة الحصار الخانق الذي فرض عليه من عام 1991 حتي 2003
، استطاعت المخابرات العراقية التمكن من خداع المخابرات الأمريكية ، فعلي سبيل المثال
كان يتم خداع الطائرات والإقمار الصناعية الحديثة بتسير حمار بالصحراء علي ظهره كشاف
فيتم قصفه علي أنه مركبة عسكرية بصواريح قيمتها مئات الآلاف من الدولارات، مقابل حمارًا
لا يتجاوز سعره مائة دولار، وذلك بهدف الاستنزاف ،أو لصرف انتباه طيران التحالف عن
مهام أخري كنقل السلاح من مكان لآخر، وقد تمكن صدام حسين من نقل بعض الأسلحة إلى سوريا وبهذه الطريقة البسيطة جدًا نجح العراق نجاحًا جزئيًا في الهروب من الرقابة
التكنولوجيا الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة عليه، وعلي الرغم من الأقمار الصناعية
الأمريكية تستطيع رصد كرة سلة صغيرة علي بعد 36 ألف كليومتر ،علاوة علي تحديد ماركة
ملابس صدام حسين الداخلية، فشلت في تمييز الحمار من المركبة العسكرية .
وعلي الجانب المقابل كانت بداية المخابرات السوفيتية ، مع
الثورة البلشيفية عام 1917م، وأعظم ما حققه هذا الجهاز هو الحصول على سر القنبلة الذرية
من قلب مشروع مانهاتن بالولايات المتحدة الأمريكية، وعلي مدار وجوده، نجح الجهاز بفضل
عملائه في جلب التكنولوجيا المتقدمة أولا بأول من العالم الغربي إلى الاتحاد السوفيتي،
وذلك بالتزامن مع تتبع ومناهضة ومنع الأفكار السياسية المعارضة للشيوعية.ومع هذا التفوق
فشل هذا الجهاز فشلاً ذريعًا في أفغانستان، علي مدار حرب استنزاف استمرت من الفترة
25 /12/ 1979 م، حتي الإنسحاب منها في 15 / 5/ 1988م.
وهو ما يعكس قدرة العقل في مواجهة القوي العاتية، وأن نجاح
المقاومة الأفغانية وإن كانت بدعم دولي إلا أن المقاتل المسلم علي الأرض استطاع مواجهة
أقوي الأجهزة المخابراتية ببسالة أنذاك.إلا أن نمو تهمة الأرهاب علي أنقاض هذا الصراع
تحتاج إلي مراجعات فكرية؛ بهدف تجريم العمل المسلح ضد المدنيين في كل أرجاء العالم
دينيًا وأخلاقيًا ، ورغم أن الأرهابيين قلة قليلة، إلا أن بعض المخابرات الغربية ترعاهم،
تسوقهم إعلاميًا علي أنهم الإسلام لأهداف سياسية.
وبسبب ترهل المخابرات السوفيتية والفساد، يرتد الجهاز في خطوة عكسية إلي الخلف ليقوم بمحاولة اغتيال الرئيس السوفيتي "ميخائيل غورباتشوف" بدلا من حمايته ،وذلك في 23 أغسطس 1991م، ليتم علي أثرها القبض علي رئيس الجهاز "فلاديمير كريتشكوف" ليحل محله الجنرال "فاديم باكاتين"، الذي تم تكليفه بحلّ الجهاز، في 6 نوفمبر عام 1991م.وفي روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفيتي السابق، قسم الجهاز إلى أربعة أجهزة مستقلة تراقب بعضها البعض، وهى جهاز المخابرات الخارجية S.V.R وجهاز مكافحة التجسس M.B وجهاز الأمن الداخلي M.B.D وجهاز المخابرات الحربية B.R.U وهو أقواها وأهمها.
وبسبب ترهل المخابرات السوفيتية والفساد، يرتد الجهاز في خطوة عكسية إلي الخلف ليقوم بمحاولة اغتيال الرئيس السوفيتي "ميخائيل غورباتشوف" بدلا من حمايته ،وذلك في 23 أغسطس 1991م، ليتم علي أثرها القبض علي رئيس الجهاز "فلاديمير كريتشكوف" ليحل محله الجنرال "فاديم باكاتين"، الذي تم تكليفه بحلّ الجهاز، في 6 نوفمبر عام 1991م.وفي روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفيتي السابق، قسم الجهاز إلى أربعة أجهزة مستقلة تراقب بعضها البعض، وهى جهاز المخابرات الخارجية S.V.R وجهاز مكافحة التجسس M.B وجهاز الأمن الداخلي M.B.D وجهاز المخابرات الحربية B.R.U وهو أقواها وأهمها.
ورغم هذا التحديث فشلت المخابرات الروسية في تقيم الوضع السوري،
فمنذ إندلاع الثورة السورية في ، لم يتوقف الروس عن التصريح بعدم قدرة المعارضة السورية
على مجابهة الجيش الحكومي، والتغلب عليه، حتى لو جرى تسليحها بما تحتاج إليه، ومع هذا
فشلت كل التحليلات المخابراتية، بوقوع معظم الأراضي السورية تحت يد المعارضة المسلحة،
رغم الأسلحة، والمعدات التي أرسلتها روسيا للجيش السوري، بسبب ذكاء الثائرالعربي علي
الأرض رغم بساطة التكنولوجيا والمعدات العسكرية، وجراء هذا الفشل في التقيم، وبعد سيطرت
المعارضة بكافة فصائلها علي معظم سوريا تدخلت القوات الروسية في الصراع رسميًا في أول
أكتوبر سنة 2015 بقصف مواقع للمعارضة من قبل الطيران الروسي ، وهذا الفشل علي مدار
5 سنوات ينذر بفشل آخر، جراء عدم القدرة علي تقييم الحالة الثورية، والموقفين الإقليمي
والدولي، بسبب تراجع كفاءة المخابرات الروسية، ولذا تحاول روسيا من خلال القوة الباطشة
جبر هذا التدهور الاستخباراتي.
ومن هذا العرض يتضح أن الإمكانيات المادية وأن كانت هامة،
ليست وحدها هي الفيصل في نجاح مهمة أجهزة المخابرات،إذ يبقي الفرد والعقل البشري هما
المحددان الرئيسيان في نجاح دور المخابرات في أي مكان بالعالم.وهذا العرض لا يهون أو
يستخف بقدرة المخابرات الغربية، فهذا غير وارد، وأنما الهدف منه بث الثقة في أجهزة
المخابرات المصرية والعربية، حتي لا تكون الإمكانيات المادية حاجزا نفسيا في إدارة
الصراع، ومن ثم علينا كعرب أن نثق في قدرتنا علي صناعة أجهزة مخابرات قوية تسطيع حماية
الأمن القومي، مع الاستفادة من التجارب الدولية في مجالات التخابر، لتعزير مواطن القوة،
وعلاج أوجه القصور، لأن مستقبل هذه الأمة مرهون بوجود استخبارات قوية قادرة علي الرصد
والتحليل، من أجل توفير المعلومات للقيادات السياسية، بما يمكنها من صياغة الخطط التي
تحافظ علي استقلال الدول ووحدة أرضيها، وبما يسفر عن إفشال مخططات تقسيم العالم العربي.
تعليقات
إرسال تعليق