مقالات
كثر الكلام حول هوية مصر، إذ يحلو للبعض أن يقول بأن مصر دولة علمانية، وهذا الكلام غير صائب ، " فالعَالمانية" بفتح العين، منسوبة إلي العَالم وهي تعني أن الكون حسب نظريات التطور أوجد نفسه بنفسه بدون خالق، وذلك وفق عالم الطبيعة البريطاني "تشارلز روبرت داروين" واتباعه من أنصار نظريات التطور، وهو ما ترفضه كل الأديان السماوية.ويتناقض مع تاريخ الذي يؤكد تدين المصريون عبر العصور.
وكما أن مثل هذه الأقوال ورطة دستورية، ويجب أن تتصدي لها
الحكومة؛ لأنها تخالف صريح القسم الذي يؤديه كل وزير أمام رئيس الجمهورية قبل شغل المنصب
إذ يقسم الوزير : "أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهوري، وأن
أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال
الوطن ووحدة وسلامة أراضيه".
وبما أن الهوية الدينية للشعب المصري إسلامية حسب المادة
الثانية، والتي تنص علي أن :" الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية،
ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، وإن كانت مصرعلي الصعيد الدولي
تصنف بأنها دولة عربية إسلامية، فهذا لا يعني إنكار حق المواطنة للأديان الأخري فهي
أيضًا مسيحية ويهودية بالنسبة للمصريين من إتباع الديانتين، وهذه التعددية تصب في خانة
الثراء والتنوع، وتدحض ما يروجه البعض بأنها دولة علمانية ملحدة.وإذا صدر ذلك عن مسئول
فأنه سياسيًا يضرب شعبية النظام في مقتل، لأنه يضع الحكومة في تصادم إيدلوجي مع الشعب
والدستور والعرف.
فالدين من الناحية العملية، فكرة راقية لا يمكن محوها بتصريح
أو حتي بحروب إبادة جماعية، والتاريخ خير شاهد، فعندما استبدل "ستالين" الانتماء
الشيوعي للشعب الروسي بالانتماء الديني، وأمر بحرق الأيقونات المسيحية في البيوت، وهدم
الكنائس ودور العبادة. وتسبب في مقتل أكثر من 50 مليون إنسان، بين عامي 1927و
1953. منهم 11 مليونا من المسلمين، ورغم هذا الترهيب لم ينجح السوفيت في القضاء علي
المسيحية أو الإسلام ، ورحل المختل "ستالين" مقبورًا مذمومًا، وفشلت فكرته
، بانهيار الاتحاد السوفيتي 1991م. وأيضًا في تركيا، بعدما أن أعلن "كمال أتاتورك"
علمانية الدولة، وقام بتعديل الدستور في 1927م، وحذف كافة النصوص الدينية من المادة
السادسة والعشرين من الدستور، والتي كانت تنص على أن الإسلام هو دين الدولة، فشلت فكرته
رسميًا بوصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا عام 2002م.
والغريب أن ثقافة من يرددون ذلك لم تسعفهم في معرفة أن حقيقة
الصراع القائم علي الساحة الدولية، ذو طبيعة إيدلوجية في المقام الأول، ألم يقول الرئيس
الأمريكي "الأسبق"جورج بوش عقب أحداث سبتمبر 2001م، وأثناء التحضير لغزو
العراق أنها "حملة صليبية" وقد وكررها وزير خارجيته "كولين باول"
هو الآخر وقال: "إنها حرب صليبية" ثم أعلنها رئيس وزراء إيطاليا"بيرلسكوني" من إيطاليا
صراحة بقوله:"إنها حرب على الإسلام" ، وفي فلسطين تبلورت فكرة الدولة اليهودية
الغاصبة بإعلان قيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948، استنادًا إلي الهوية الدينية، هل
يختارأصحاب الطرح العلماني الملحد، الوقوف في معسكر كل هؤلاء ضد الوطن؟.
أما التناقض مع النفس يجافي بديهيات السياسة، وبالتالي نحن
أمام بعض الحالات المريضة التي تخلط بين الإرهاب والإسلام، أو تصور بعض التصرفات الشائنة
من قبل بعض أنصاف المتدينين علي أنها منهجي إسلامي، في حين كل الجرائم متي ارتكبت هي
جرائم اسمية تخص من يرتكبها فقط ، ولا يجوز إسقاط التصرفات الفردية علي المجموع الكلي،
سواء كان الأرهاب المرتكب من ليبرالي، أو مسلم أو مسيحي، أو حتي علماني ملحد.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أنوه إلي أن الأسلام ليس ضد
العلم والتخصص في العلوم الإدارية والتجريبية كما يروج بعض المغرضين، وكافة الأديان
فقط ضد إنكار الله وسننه في خلقه، وما عدا ذلك مباح. فكل أصحاب الضمائر في العالم يرفضون
الوجه السلبي للصراعات الإيدلوجية المسلحة ، علي أمل أن تسهم الحوارات الفكرية في تحقيق
السلام والأمن الاجتماعيين في كل بقعة من بقاع الأرض.
مقال صلاح شعير بجريدة السهم نيوز-
13 /10 /3015
تعليقات
إرسال تعليق