مقالات
لن يرحب الأصوليون في الغرب والشرق بأيّة ثورات عربية تهدف إلى تغيير الواقع الاقتصادي بالعالم العربي إلى الأفضل، وسيتشدقون بالديقراطية ويضربونها من الخلف في مقتل، بغية تحويل الربيع العربي إلى صراع دموي على السلطة، لا ينتهي إلا بتفتيت الدول العربية، أو بعضها، وهذا يتطلب ضرورة اليقظة حتى لا يذوب ما تبقّى من كيانات عربية، فواضعو الاستراتجية الدولية اعتادوا اللعب على المتناقضات، بعضهم يشجع الحركات الثورية الحالمة ببناء الأوطان في الخفاء، والبعض الآخر يقايض ويبتز بعض الحكومات الفاسدة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، وبلا خجل يستقبل الغرب الأموال المنهوبة من الشعوب في البنوك الغربية، إما لترويض أصحابها، بسبب خوفهم من مصادرة تلك الأموال تحت أيّة حجة، أو بتهديد بعض المسؤولين بكشف أرصدتهم المنهوبة حال مخالفة السياسات والتعليمات الصادرة من الولايات المتحدة الأمريكية.
لن يرحب الأصوليون في الغرب والشرق بأيّة ثورات عربية تهدف إلى تغيير الواقع الاقتصادي بالعالم العربي إلى الأفضل، وسيتشدقون بالديقراطية ويضربونها من الخلف في مقتل، بغية تحويل الربيع العربي إلى صراع دموي على السلطة، لا ينتهي إلا بتفتيت الدول العربية، أو بعضها، وهذا يتطلب ضرورة اليقظة حتى لا يذوب ما تبقّى من كيانات عربية، فواضعو الاستراتجية الدولية اعتادوا اللعب على المتناقضات، بعضهم يشجع الحركات الثورية الحالمة ببناء الأوطان في الخفاء، والبعض الآخر يقايض ويبتز بعض الحكومات الفاسدة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، وبلا خجل يستقبل الغرب الأموال المنهوبة من الشعوب في البنوك الغربية، إما لترويض أصحابها، بسبب خوفهم من مصادرة تلك الأموال تحت أيّة حجة، أو بتهديد بعض المسؤولين بكشف أرصدتهم المنهوبة حال مخالفة السياسات والتعليمات الصادرة من الولايات المتحدة الأمريكية.
الدليل على ذلك الأخبار التي تبشر بأن نجاح مفوضات البرنامج
النووي الإيراني سيسفر عن فك الحظر على ما يقرب من 150 مليار دولار أمريكي، جرى تجميدها
عندما اختلف الأمريكان مع الثورة الإيرانية التي أسقطت نظام حكم الشاه، وربما تتعرض
بعض الودائع العربية ببنوك الغرب - والتي تقدر حسب بعض الإحصائيات بنحو 3000 مليار
دولار - لنفس المصير، حال الاختلاف مع الأمريكان في أي أمر سياسي، وهو ما يعني تقييد
فكرة السيادة لبعض الدول تقييدًا نسبيًّا.
القرارت السياسية لحلف شمال الأطلنطي "ناتو" فيما
يتعلق بالربيع العربي، تخضع لأهداف استراتيجية بعيدة عن العواطف، فعلى سبيل المثال
لم يكن دعم الثورة الليبية دعمًا للشعب الليبي، وإنما كان بهدف تصفية الحسابات القديمة
مع "القذافي"، الذي أربك المشهد الغربي عندما كان ورقة مزعجة في يد الاتحاد
السوفيتي السابق، علاوة على ما أثير حول دعمه للجيش الجمهوري في أيرلندا الشمالية خلال
فترة الصراع في إنجلترا، كما أن عملية قتل الشرطية البريطانية "إيفون فلتشر"
في العام 1984 تمت برصاص قناص من داخل السفارة الليبية في لندن، وبأوامر من القذافي،
وجاء إسقاط طائرة البوينج 747، التابعة لشركة "بان أمريكان"، فوق قرية
"لوكيربي" غربي إنجلترا، في 21 ديسمبر 1988 - حسبما نُشِر في هذا الشأن
- بأوامر من القذافي، وقد نجم عن الحادث مقتل 260 شخصًا، وتمّت العملية عبر عميل المخابرات
الليبية عبد الباسط المقرحي، ولهذا كان دافع الانتقام من القذافي من بين الأسباب التي
دفعت الغرب للمساهمة في إسقاطه، وليس لصالح فكرة الثورة والبناء.
"عربيًّا"، لم يكن القذافي شوكة روسية في خاصرة
الغرب فحسب، بل كان من أحد صناع القلاقل بالعالم العربي، وذلك بسبب دعمه بالمال لبعض
الفصائل اللبنانية في خلال الحرب الأهلية في الفترة من 13 أبريل 1975 وحتى 13 أكتوبر
1990، وحسبما ذكر عبد الرحمن شلقم، مندوب ليبيا لدى الأمم المتّحدة قبل الثورة اللبية،
والذي قال حرفيًّا: "إن معمر القذافي كان داعمًا لإيران عسكريًّا في حربها ضد
العراق، وبغداد قُصِفت بصواريخ ليبية"، وهو ما يتنافى مع شعارات القومية العربية
التي كان القذافي يتغنّى بها ليل نهار، علاوة على خلافه مع مصر، عندما قام برعاية محاولات
فاشلة لتصفية الرئيس الراحل محمد أنور السادات، قبل اغتياله في 6 أكتوبر 1981، وحسب
ما قالته رقية السادات - ابنة الرئيس الراحل - فإن الملك فيصل، ملك السعودية، قد حمّلها
رسالة يحذّر فيها السادات من القذافي "المريض نفسيًّا" حسب وصف الملك، وأيضًا
موّل القذافي الهجوم الإعلامي على المملكة العربية السعودية وحكامها، ومن ثمّ لم يكن
الترحيب الخليجي من أجل فكرة الثورة.
على الطرف المقابل، يحذو الروس نفس المنهج الانتهازي في دعمهم
لبشار الأسد، فالهدف هو فك الحصار البحري الخانق الذي فرضه حلف الأطلنطي على روسيا،
ومن ثمّ تُعدّ الموانئ السورية بمثابة قبلة الحياة للأساطيل والغواصات النووية، وإلا
ستبقى محبوسة في البحر الأسود، وبلا فاعلية، ولن تجد روسيا من يقبل بوجودها إلا نظامًا
يحتضر، "تقايضه" الحياة مقابل القبول بإنشاء قواعد عسكرية على أرضه، وذلك
لكسب الصراع الطائفي مع الغرب، والذي ينطلق من العداء التاريخي بين الكنيسة الأرثوذوكسية
في روسيا، والكنيسة الكاثوليكية في أمريكا وأوروبا، وكما كان القذافي يسير في ليبيا،
فإن الأسد الابن يسير في سوريا على الخطى نفسها، عندما يتحالف الشيعة مع الأرثوذوكس،
ضد تحالف إخوانهم السنة مع الكاثوليك، من أجل السلطة، وجرّاء معركة عض الأصابع بين
الكبار، سيتفق الغرماء - تحت ظلال الصورايخ النووية - فالرؤوس عند الخطر دائمًا ما
تتخلص من الذيول، لتبقى سالمة، ثم يبدأ تقاسم مناطق النفوذ على أرضية المتاجرة بالإرهاب
المصطنع، والمنسوب زورًا إلى الإسلام، وهو ما يستدعي من الجميع في المنطقة البحث عن
حلول سياسية قبل التآكل والسقوط، لأن الحالمين بفكرة الثورة والبناء، إذا كفروا بقدوم
الربيع الأخضر، فستحترق المنطقة بفوضى غير خلاقة.
تعليقات
إرسال تعليق