سعدية العادلي اتبعت تكنيك فريد في السرد،
لتحذر العالم من الإرهاب، والجهل، وانتهاك حقوق المرأة.
صدرت بالقاهرة مسرحية "إلى ضمير
العالم" الصادرة عن دار مكتوب للنشر
للكاتبة سعدية العادلي، والنص المسرحي يناسب المرحلة السنة من 9 سنوات فما
فوقها، حيث تدور قصته في عالم التاريخ ليصور لنا النص المسرحي تاريخ سفك الدماء
منذ بدءالخليقة، ومنذ أن قام قابيل بقتل أخيه هابيل ظلمًا وعدوانًا حتى اليوم، وليحذرنا
من أن أبناء القاتل الأشرار مازالوا يقتلون أبناء هابيل الطيبين، والنص يبدأ بمشهد شديد الدلالة حيث قامت الغربان بالقبض
على إنسان قام بقذف الغربان بالحجارة أثناء تناولها الطعام، وتم تقديم هذا الإنسان
لمحكمة الغربان، حيث يكتشف المتهم أن
عالم الغربان له قوانين تعلى قيم العدالة
الناجزة، والمأساة الحقيقة تمثلت في أن هذه القوانين العادلة غير مطبقة في
عالم البشر، وتكشف لنا المحاكمة في داخل
النص المسرحي أن تاريخ الإنسان فوق الإرض تاريخُ مخجل، حيث لاعدل، ولا أمان، نظرًا للإنتقائية في تطبيق
القانون الذي يقوم الأقوياء بإنزاله على
الضعفاء فقط، وتنتهي المسرحية بكشف سواءات البشر بشكل عام، وبحكم قضائي يصدره قاضي الغربان منطوقه رسالة سلام إلى ضمير العالم بأثره.
تكنيك فريد:
ترجع أهمية المسرح في قدرته على تسليط الضوء على
القضايا المجتمعية المعاصرة بالإضافة إلى محاولة عرض كل ما يجول في النفس البشرية
وما يعتريها من ضعف وشك، وتردد، وأمل، وغيرها من مشاعر، وبما يخدم النص. وقد تميز السرد داخل المسرحية بتكنيك فريد من
نوعه، حيث استطاعت المؤلفة من تمرير نقاط التحول في السلوك البشري عبر صوت الرواي كشخصية مسرحية
مجسدة بالصوت مع الصور فوق شاشة العرض، بصورة ممتعة، حيث تنطلق
المسرحية في الفصل الثاني في إطار نبيل لتؤكد ضرورة التصدي للقتلة ومنعهم من تدمير
هذا العالم، ومن خلال تقنية الفلاش باك وشاشة العرض السينمائي تعرض الكاتبة صور
متنوعة لسرد بعض النماذج لفظائع الإنسان فوق الأرض.
علاوة على توظيف صوت الضمير في حوار ثنائي بين الإنسان وضميره،
أما الشخصيات المباشرة فتمثلت في الغراب القاضي، ومساعديه، قاضي اليمين وقاضي
اليسار، والإنسان بتكونيه الجدلي، والمرأة كزوجة متسلطة، وبعض الشخصيات الثانوية، وقد
دعمت المؤلفة النص بمقدمة غنائية مكتوبة، ونهاية استعراضية بالموسيقى والأغناني
يتؤكد على المعنى.
يميز
تكنيك الكتابة في أن من يقرأ النص المكتوب
يكاد أن يشعر بأنفاس الأشخاص، وأن يرى بخياله المشاهد المسرحية تتصاعد أمام
عنيه، ومن ثَمَّ كان الحوار غير تقليدي،
وجاذب للمتلقي، وقد تبين أن السبب في حيوية هذا البناء الفني أن المؤلفة قد صقلت
موهبة الكتابة بدراسة الإخرج المسرحي بمعهد الفنون المسرحية.
يسمح مزج الخيال الخصب بالواقع داخل النص
المسرحي؛ عن سهولة عرض القضايا التي يحملها النص
بصورة شديدة الوضوح، وبما لا يحمل أيتها لبس في فهم مفردات ومحتويات
المضمون، وهذا التبسيط المخطط يسمح للنص
حال المطالعة أو عند عرضه من تحقيق الهدف المطلوب، وبث الرسائل التربوية دون تكلف
بعيد عن لغة الوعظ.
الحوار المسرحي:
حيث تُمثل الشخصيات المسرحية مرآةً لكل شخصٍ
يشاهدها، لهذا كان لزاماً على الكاتب
والمؤلف المسرحي أن يطور قدراته الكتابية، لتطوير الحوار المسرحي الذي يعدُّ مركزة
الدائرة التي تدور المسرحية في فَلكها،.ولابد للحور أن يكون معبرًا عن المضمون وسوف نستعرض بعَضًا
من هذا الحوار، ومثال ذلك ما ورد في ص2
مايلي:
الإنسان: إننا بنو الإنسان نتشاءم منكم أيها الغربان.
قاضي اليمين: تتشاءمون منا؟
القاضي: (في حزم) ما اليبب أيها الإنسان؟
الإنسان: (يتعلثم) ربما يكون للون ريشكم الأسود.
لم يطرح الإنسان داخل النص سببًا معقولا لهذا
التشاؤم، فقد أصدر البشر حكما مطلقًا على الغربان من منظور ناقص وبغيض دون منطق،
وبعطرسة. وفي موضع يرد القاضي على هذا الغرور البشري في ص:21 قائلاً:
القاضي: أعلم أيها الإنسان أننا نحاكمك كممثل
للبشرية، لأن الظلم قد عم العالم كله، وما دام هذا هو فكرك، وما دام الناس يقولون
ويقولون فأنت متهم في قضية أخرى، وهي قضية التميز العنصري، بسبب اللون، ولتعلم
اننا لا نخجل من لون أجنحتنا السوداء، ونفتخر بأننا لا نشيب مثلكم بني الإنسان.
لقد حول الغراب القاضي دفة الحوار مدافعا عن
بني جنسه بأن الريش الأسود لا يشيب كما في البشر،
وأن هذا السواد ربما يكون ميزة، ولكنا سوف نكتشف من الحوار نوعًا من الصراع
العنصري القائم في العالم على أساس اللون، حيث دفع الشخص الأسود ثمنا للونه، فالعبودية كانت متأصلة
في الشعوب القديمة، حتى جاء الإسلام في
القرن السابع الميلاد وكان من أولياته التعرض للرق والعبودية بشكل مباشر. فدعا
الرسول إلى حسن معاملة الأسرى والعبيد والرفق بهم. وجعل لهم حقوقهم المقدرة لأول
مرة في التاريخ الإنساني. ومنذ القرن
الخامش عشر مارس الأوربيون تجارة العبيد ضد الأفارقة، وتمركز معظمهم في مطلع القرن التاسع عشر في ولايات
الجنوب بالولايات المتحدة الأمريكية، حتى تم إلغاءها عام 1865م، عقدت وقامت عصبة الأمم بمنع تجارة العبيد وإلغاء العبودية بشتى
أشكالها في عام 1906م.، بيد أن الإنسان كعادته، عاد يمارس العبودية في اشكال جديدة منها التميز ضد دول
الجنوب النامية، ونهب ثرواتها، وتجارة الرقيق الإبيض، والتميز ضد النساء، وغيرها.
رفض فكرة الظلم:
تقوم المسرحية بصفة عامة على رفض فكرة الظلم
كنتيجة لغياب العدل، حيث يتنامي الظلم على المستوى الشخصر بظلم الإنسان لأخيه
الإنسان، وعلى المستوى الدولي كالظلم الواقع على الإقليات في كل بقاع العالم، والاضطهاد
الديني وكل ذلك مرفوض شكلا وموضوعًا لأن الحرية هي الحق الأصيل، وحقوق الإنسان تعني في المقام الأول الانتصار
للحق والعدل والخير والجمال، وهذا هو ما تحقق على الورق في الفناء المسرحي عندما
أخذ القاضي يشرح كيف سبقت الغربان البشر في الشأن عندما يتم إنزال عقاب الردع
بالمجرم، فعلى سبيل المثال لا يسمح لغراب بالسطو على عش غراب آخر بينما تنتشر على
الإرض حالات القهر حين يقوم القوي بطرد
الضعيف من منزله بلا رادع، ومثال ذلك ما تم في فلسطين العربية، حيث تم طرد أصحاب المنازل
والأراضي الأصليين من أوطانهم لصالح المستعمرين تحت ستار من دعم الأقوياء، ولا يوجد رادع قانوني بين الكثير من البشر
يمنعهم من العدوان على حق الآخر.
انتهاك حقوق المرأة:
تشير
المسرحية بشكل رمزي أن التحرش الجنسي واغتصاب الأنثي من المحرمات في عالم الغربان، وعقاب ذلك هو قتل
المغتصب بالمناقير حتى الموت من أجل صيانة كرامة الإنثى أما في عالم البشرتغتصب
النساء في وضح النهار دون رادع، أو حياء، ولا فرق في ذلك السلوك الهمجي بين
المتخلف والمتحضر، فكما يقوم المنحرفون بإغتيال براءة النساء بالقوة، أو أغتصاب
الأطفال، ويقوم العديد من الأثرياء بشراء المتعة بالمال في تجارة الرقيق الأبيض،
أو شراء عذرية الفتيات، أما الدول التي تدعي الحضارة سوف نكتشف أنها تعامل البشر
كالعصابات المتمرسة في الإجرام، وقد رأينا
ذلك على أرض الواقع في العراق عام 2004م، عندما تفجرت فضيحة الانتهاكات الجسدية
والنفسية للمعتقلين، حيث كانت الإساءات الجنسية ضمن برامج تعذيب الأسرى، وقد تم اغتصاب
وقتل بعض السجناء الذين كانوا في سجن أبو غريب في العراق، تلك الأفعال قام بها
أشخاص من الشرطة العسكرية الأمريكية، في دول تدعى الدفاع عن حقوق المرأة،
والإنسان، في حين أن تصرفاتها تتصف بالهمجية والعدوان، ولم تفلح القيم الحضارية في
كبح نزعة العدوان لدي البشر.
القيم
الثقافية:
برزت هذه
القيم في ص 26، 27، حين جاء على صوت الرواي: أن الخليفة المعتصم أخذ رأي بعض
المنجمين في القيام لنجدة امرأة عربية انتهكت حرمتها، فحذروه من ذلك، ولكنه تحرك
بجيشه نحو عمورية، وهو في الطريق رأى غرابًا ينعق ويحجل فتشاءم قواده، وأشاروا
عليه بالتراجع، ولكنه صمم على موقفه، وانتصر وأثبت عمليًا أن التشاؤم من الغربان
هو فرية بشرية لا وجود لها.
فجرت المسرحية
الكثير من القضايا، ومنها ضرورة احترام حق المواطنة، والتصدي للإرهاب، حيث تجلت لحظة التنوير المسرحي في نهاية العرض على
لسان القاضي مخاطبًا جهل الإنسان حين قال:
القاضي:
المعرفة واجبة عليكم اقرأ .
ومن هنا نجد أن النص المسرحي لخص مشكلة البشر في
الجهل، ، لأن القراءة بوابة للهروب من التخلف
إلى رحابة العلم، ومن تركها سقط في الضياع، ولكن على الجميع بعد الإطلاع أن يدمجوا
العلم بالخير حتى لا تتحول المعرفة إلى وسيلة لقتل البشر بشتى أنواع أسلحة الدمار
الشامل.
ترى هل يستجيب
ضمير العالم إلي رسالة الكاتبة المصرية سعدية العادلي ويجنح نحو السلام؟ تشير الحقائق التاريخية أن النهاية فوق مسرح
الحياة مفتوحة لكل الاحتمالات.
تعليقات
إرسال تعليق