القائمة الرئيسية

الصفحات

"بيوت آمنة" كتاب جماعي يطالب بوقاية الأسرة العربية من الأوجاع التربوية


المؤلفون الأربعة  طرحوا مشاكل الطفولة، ومخاطر الفراغ، والتفكك الأسري، والأنترنت على مستقبل الشباب في العالم العربي.

صدر كتاب بيوت آمنة عن دار الإبراهيمي للطباعة بالقاهرة لمجموعة من الكتاب السعوديين هم: حفصة عبد الله أسعد ريس،  د.نيفان إبراهيم  عبده، د. حسني حسيف أسعد ريس، د. طيبة الحربي. وهذا الكتاب من الكتب التربوية الهامة،  والتي تتناول موضوعات تخص الأسرة والطفل العربيين،  على إعتبار أن التنشئة الخلقية، والدينية، والصحية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية  للطفل جزءًا  هامًا في منظومة التربية الحديثة، وبهدف ضمان مستقبل أفضل لأبنائنا في الغد القصير، والمتوسط والبعيد.

ويتفق المؤلفون مع كل سابقيهم من المفكرين على أن الأسرة هي حجر الزاوية في التربية، حيث اتفقت جميع المدارس النفسية على أن النمو هو "حركة دائمة وتغير متصل يسعى لغاية نهائية هي الاكتمال". ومن ثَمَّ يجب أن تبدأ عملية  التربية  مع نمو الجنين منذ  لحظة الحمل، حتى مرحلة  الولادة والطفولة بجميع مراحلها،  لضمان سلامة الجسد والفكرللآجيال القادمة، وسوف تم بعض ما طرحه الكتاب في عدة محاور منها:

أولا: دوائر التآثير في الطفل: ويمكن إجمالا تحديد مجالات التآثير علي الطفل العربي في ثلاث دوائر  هي: الأسرة، والمدرسة، والبيئة الخارجية:

1- الأسرة: وقد أشار المؤلفون إلى أن التفكك الأسري، وتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وكثرة الولادة مع الفقر،  وترتيب الأولاد  كل ذلك يؤثر على سلامة الصحة النفسية للإطفال. فقد وُجد أن ترتيب الطفل في الأسرة له علاقة وطيدة بنموه النفسي والاجتماعي؛ ففي الغالب نجد أن الطفل الأول والأخير مدللمَيْن، وهذا بحد ذاته يؤدي إلى بعض الاعتلالات النفسية التي تؤثر في شخصيتهما وسلوكهما.

وتعد اتجاهات الوالدين السائدة  من أهم  العوامل التي تؤثر في تنشئة الأطفال: فالوالدان اللذان تكون اتجاهاتهما علمية تجدهما يهتمان بهذا الجانب في أطفالهما، فينشأ الأطفال منطقيين في تصرفاتهم ، وقد يفتقدون إلى الرومانسية في حياتهم، والعكس بالنسبة للأسر التي تكون اتجاهات الآباء والأمهات فيها رومانسية.

2- المدرسة: تعتبر المدرسة من أهم  الجهات المسئولة عن بناء عقل وسلوك الطفل، ولذا يجب مراجعة وتحديث المناهج الدراسية بما يتفق مع أسس التربية الحديثة، كذلك وضع الضوابط التي تضمن سلامة العاملين في الحقل التعليمي وخاصة المدرسين، لأن المعلم الإنتهازي  يدمر فكرة الإقتداء الإيجابي، والأسوة الحسنة،  مع مراعاة التكامل بين مرافق التعليم ودرو العبادة؛ حتى يتم  بناء  شخصية الطفل بشكل جيد.

3 - البيئة الخارجية: تمثل البيئة الخارجية أحد روافد التآثير في الطفل، ولذا يلعب للأحتكاك المجتمعي المباشر دورًا هامًا في المسار التربوي للطفل، وهذا الدور قد يساعد في الإرتقاء بالصغار، أو يهدم ما تقوم الأسرة والمدرسة بغرسه في وجدان الصغار من قيم، فالتعامل مع أطفال أو شرائح فاسدة قد يدفع الطفل إلى تقليد النماذج السلبية بالمحاكاة، كذلك الفن الهابط، والثفافة السلبية المتمثلة في بث العادات والتقاليد التي لا تتناسب مع خصوصية الشرق، كل ذلك يهدر جهود التربويين في مجالات التربية.

ثانيا الاحتياجات النفسية للطفل: تختلف الاحتياجات النفسية للطفل من مرحلة إلى أخرى، ويمكن المرور سريعًا على هذه المراحل كما يلي:



1- مرحلة الطفولة المبكرة: تبدأ هذه المرحلة  من 3: 5 سنوات- توجد تصنيفات أخري لمرحلة الطفولة المبكرة وهي من 6 :8 سنوات-  وتتميز هذه المرحلة بالنمو الجسدي، والعقلي، والإنفعالي، والاجتماعي لدي الطفل، ويحتاج الطفل فيها إلى اللعب، والمرح، أما الاحتياجات النفسية في هذه المرحلة  تتمثل في الحاجة إلى الشعور بالأمان والاطمئنان، والحب والرعاية، خصوصا من الوالدين بالدرجة الأولى ثم الإخوة الكبار. حيث ينبغي تلبية  إشباع حب الاستطلاع عند الطفل بالإجابة عن أسئلته بوضوح وصراحة. كذلك استخدام أسلوب بسيط يتفق مع مفردات قاموسه اللغوي عند الشرح، مع الإكثار من الرحلات التي تساعد الطفل من التعرف على الطبيعة والحيوانات، والنباتات، مع مشاركته في أفكاره.

2- مرحلة الطفولة المتوسطة: أشار المؤلفون أن هذه المرحلة تمتد من الفترة 6 : 12 سنة، مع ذكر بعض التصنيفات الأخرى التي تقسمها إلي فترتين- مرحلة الطفولة المتوسطة 6 : 8   سنوات، والطفولة المتأخرة من 9 : 12 سنة-  وتتميز هذه المرحلة ببطء في النمو الجسمي مقارنة بالطفولة المبكرة، فالطول يزداد بمعدل 5 سم  في السنة، والوزن بنسبة  10% في السنة.  أما النمو الحركي فيزداد ويتطور بصفة عامة، ويصبح سلوك الطفل الحركي موجبًا وهادفًا، وتزداد سرعة الاستيعاب لديه، وتنمو حاسة اللمس بشكل كبير، وخاصة لدي الفتيات، علاوة على سرعة نمو الإدارك العقلي.

ومن حيث النمو الإنفعالي يتصف الأطفال في بداية هذه المرحلة بالعناد، والمعارضة، والتمركز حول الذات، وقد تطرأ عليهم  فترات يشعرون فيها بالخوف وكثرة الشكوى والانطواء، ولكنهم يشعرون بالإرتياح مع الكبار،  وتؤدي مخاوف الأطفال دوراً كبيرًا في توجيه حياتهم الانفعالية، وتتصف هذه المخاوف بالغموض، وبالأشياء الخارقة للطبيعة التي تثيرها بعض القصص.

وتحتاج هذه المرحلة إلى دعم الحاجة إلى النشاط الجسدي، ومن ثم ينبغي  تمكين الطفل من ممارسة الرياضة،  والأنشطة الفنية، والاهتمام بتغذيته، ونظافته الشخصية،  وعلى الأسرة أن تحرص على التعاون بينها وبين المدرسة عن طريق الاتصال المباشر، وتنمية القدرات الفردية الخاصة لدى كل طفل، ولضبط  النمو الإنفعالي يجب تدريب الطفل على التعامل مع الآخرين، وتنظيم انفعالاته، مع دمجه في المجتمع، والتأكيد على غرس القيم الخلقية في وجدانه.
.


3- مرحلة المراهقة والبلوغ: تمتد هذه المرحلة من 12 : 18 سنة،  وبعدها ينتقل الفتيان إلى عالم الكبار، وتتسم هذه المرحلة بصفة عامة بعدم  الاستقرار النسبي، والقلق،  وعدم الإتزان،  والنضوج الجنسي، وما يصحبه من تغيرات جسدية.

 يتصف النمو الانفعالي في مرحلة المراهقة  بعدة خصائص منها: عدم الثبوت الانفعالي  حيث يتأرجح المراهق بين  مجموعة من المتناقضات منها: النشاط والكسل، والحزن والسعادة، والخوف والحب، أما أحلام اليقظة عند الفتيان تأخذ ثلاثة أشكال الأول: أحلام يقظة مرتبطة بذات المراهق،  فقد يتخيل نفسه بطلًا رياضيًا يشار إليه بالبنان، وبالنسبة للفتاة فقد تتخيل  نفسها ممثلة، أو مدرسة ذات شأن، والثاني: أحلام يقظة المرتبطة بالنواحي المهنية، فقد يتخيل نفسه طبيبًا أو موسيقارًا،  أو عالميًا أو نجمًا سينمائيًا...، والثالث أحلام  اليقظة المرتبط بالناحية الرومانتيكية، فقد يتخيل المراهق نفسه قد أصبح مرموقًا، أو محط إعجاب الآخرين من الجنس الآخر.

يعاني الشاب من صراع بين رغبات وميول يريد أن يحققها وبين رغبات بشرية مادية أو معنوية تحول دون تحقيق ذلك، ويتأثر النمو الإنفعالي بالعلاقات الأسرية، والعجز المادي، والدين، والعلاقة مع الكبار.

بينما تضح  الفروق الفردية بين الجنسين، فالبنات يتفوقن على البنين في القدرة اللغوية،  والبنين يتفوقون في القدرة الميكانيكية،  ومن حيث الإدراك، يصبح المراهق أقوى انتباهىًا من الطفل، وأكثر ثبوتًا واستقرارًا،   وتنمو لديه عملية التذكر، وملكة التفكير، والخيال، بيد أن بعض العوامل الأخرى يكون لها تأثير علي مستوى النمو العقلي مثل: الوراثة، والتعليم، والمدرسون، والحرمان الثقافي.

ويطالب المؤلفون بضرورة الاهتمام بالخدمات المتنوعة المقدمة للشباب لحمايتهم من آثار التقلبات السلبية في مراحل المراهقة، كالاهتمام بالرياضة، وتحسين الخدمات المقدمة للشباب، والتثقيف، عبر استراتيجة تربوية متخصصة للنهوض بالشباب العربي.

ثانيا: التربية الجنسية: طرح الكتاب ضرورة الاهتمام بفكرة التربية الجنسية، من منظور إسلامي، وخاصة أن الإسلام قد سبق العلوم الحديثة في هذا الشأن، حيث تميزت المدرسة الإسلامية في مجال التثقيف الجنسي بالصراحة، والوضوح، وقد ورد بالحديث الشريف أن الرسول -ص.س-  قال: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهمن الحياء أن يتفقهن في الدين"

وقد احترم الإسلام الغريزة الجنسية، في الإطار الشرعي عبر الزواج، ومن آداب الإسلام  ما أمر به القرآن الكريم الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم، أن يستأذنوا على والديهم ثلاث مرات في اليوم، وهي الأوقات التي تعتبر من الخصوصية، حتى لا يفاجأ الطفل بمنظر من مناظر الجنس بين والديه. كذلك بالتفريق بين الأخ وأخته في المضاجع.

رابعا: التحرش الجنسي والعنف: يشير المؤلفون إلى أن ظاهرة  التحرش الجنسي بالفتيات لها أسباب متعددة، أهمها الإنحلال الخلقي، ولا يجب إهمالها مطلقًا، فكلما اكتشفت في وقت مبكر أمكن علاجها وتجنبها، والعكس صحيح.، وذلك يتطلب مراقبة سلوكيات وأخلاقيات المجتمعات؛ لأن التصرفات السلبية قد تؤدي إلى استفحال الظاهرة،  وانتشارها ، ومن ثَمَّ  فلا يجب في المنزل أن تحدث المداعبات الزوجية، أو تبادل القبلات أمام الأطفال، أو مشاركة الأبناء في الفراش مع الأبوين، مع علاج مشاكل ضعف الشخصية بسبب القصور التربوي. أضف إلى ذلك ضروة مراقبة الوضع في الخارج؛ حتى لا تسهم عملية الاختلاط بين الجنسين بالمصايف  إلى نمو الظاهرة.

الإعتداء على الأطفال: في أحيان كثيرة يتم  استغلال براءة الأطفال وذلك بتخويفهم  من البوح بجرائم التحرش، أو الإعتداء الجنسي،  كذلك يتم إقناع الصغار بأن ما تم شيئًا عاديًا، وفي هذا الصدد قد أكتشف الباحثين وجود علاقة بين الانتهاك الجنسي في الطفولة وبين الصحة النفسية لدى البالغين، وهذا هو مكمن الخطورة.  حيث يصاب المعتدى عليهم بالاكتئاب وفقدان  الثقة بالنفس، وقد يؤثر ذلك سلبيًا على أعمالهم ودارستهم، وعدم الشعور بالتوازن. وقد تعرض المؤلفون لكافة أنوع الشذوذ بهدف التحذير منها.

العنف في المجتمع: تتنوع أسباب العنف في المجتمع بسبب عدة مشاكل منها الفقر، والإنحراف الخلقي، والجهل، والشحن الطائفي، ومن الملاحظ أن العنف يزداد بصفة عامة عندما يسود البلاد ظروفًا عامة سياسية واجتماعية واقتصادية محبطة، أو انقلابات سياسية،  أو عسكرية، أو فوضى وصراعات، واضطرابات، مما يؤدي إلى شيوع استعداد عام في ممارسة العنف.

تتنوع أشكال العنف المرفوض في عدة مستويات منها: عنف خاص الفرد ذاته، وعنف يظهر في العلاقة بين الأبناء، وعنف بين الزوجين، وعنف بين الأبناء والآبناء، عنف بين الأسرة  والأسر الأخرى والمجتمع بوجه عام. يرفض الإسلام العنف، وخاصة ضد المرأة سواء كان ذلك العنف لفظيًا، أو بدنيًا، أو نفسيًا. 

خامسا: الإنترنت والإنحلال: يقترن التطور في مجال الاتصالات،  ومواقع التواصل الاجتماعي ببعض الأضرار، وتشير بعض الإحصائيات إلى أن عدد المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت نحو 4.2 مليون موقع، منها 66% لا يوجد عليها تحذير لمنع دخول الأطفال إليها، علاوة على وجود 100 ألف موقع جنسي للأطفال،  من المؤسف أن الدول العربية تحتل المراتب الأولى عالميًا من حيث تصفح المواقع الإباحية، ومن هذه الدول: الإمارات، مصر، السعودية، البحرين، الكويت، وقطر.

ويرجع البعض أن سبب الهوس العربي بالمواقع الإباحية إلى الفراغ والبطالة، وضعف الوازع الديني، والتفكك الأسري،  وسيولة الاتصال بالأنترنت، وفشل الرياضة في استقطاب الشباب، وترجع دور الثقافة في التوعية، بالتالي إصابة الشباب العربي بداء إدمان الإنترنت.

وعليه: تتلخص مواجهة هذه الظواهر بضرورة يقظة الأسرة في مراقبة الإطفال، مع الحرص من قبل الجهات الإدارية على تعيين الكوادر السوية بالمدارس،  والمرافق التي تتعامل مع الطفل، على أن يحدث ذلك بالتزامن مع التوعية عبر الإعلام والبرامج الثقافية، ويمكن من خلال الأدب قراءات الحكايات والقصص التي تعلي من شأن القيم الأخلاقية والدينية، أو سماع البرامج الفنية التي ترفع الثقافة الإيجابية لدى الطفل، علاوة على التربية الجنسية الصحيحة بهدف إقناع الشباب بالتمسك بمكارم الأخلاق.


 




تعليقات

التنقل السريع