بقلم
د.سلامة تعلب
الملائكة في رواية صلاح شعير هم مجموعة من الأطفال
والشباب الأطهار الأنقياء الذين يحلمون بالارتقاء بقريتهم ومجتمعهم، يقودهم الملاك
الطاهر-بطل الرواية- الطفل نور حافظ، وامتداده صديقه وأخوه في الرضاعة شوكت بن عمران
المر، هل يستطيع هؤلاء الملائكة تحقيق حلمهم في القضاء على الفقر والجهل والمرض والتخلف
والشر والظلامية؟ أم أن قوى الشر-بكافة أشكالها- ستقف حائلاً أمام أحلام الملائكة؟
صراع لا نستطيع توقع نتائجه قبل الانتهاء من قراءة الرواية كاملة، ولكن كل ما نستطيع
أن نبديه من ملاحظات نقدية حول الرواية، يمكن أن نوجزها فيما يلي:
أجمل ما يميز أي
عمل إبداعي؛ أن يأخذك هذا العمل، ويستحوذ على جل اهتمامك؛ فلا تتركه قبل تمام قراءته،
وهذه الخصيصة تميزت بها رواية "أحلام الملائكة".
ومن مميزات أي
مبدع- والتي تضاف للميزة السابقة-هو قدرته على حسن الاستهلال، وتوفيقه في الجملة الافتتاحية
التي تشبه ضربة البداية؛ فإذا نجح في ذلك وأمسك بالقارئ من أول لحظة؛ فقد ضمن النجاح
لعمله الإبداعي بنسبة كبيرة، وهذا ما فعله كاتبنا "صلاح شعير"؛ حيث نجح في
الإمساك بالقارئ من أول جملة استهل بها روايته، لنرى ذلك في قوله "هناك بقرية
الجزيرة الغربية على فرع رشيد؛ تقف الجميزة العتيقة شامخة، تشق الفضاء، تزينها الثمار
تارة، وتغرد الطيور الصداحة فوقها تارة أخرى، ترقص فروعها الطويلة مع النسيم الرقيق؛
لتنثر فوق الفلاحين ظلاً ظليلاً، وهواءً عليلاً...".
يحمل هذا العمل"أحلام
الملائكة" عدة مضامين مهمة؛ جاءت بشكل شيق، لا يخل بالجو الدرامي المتمثل في الصراع
المتنامي بين قوى الخير وقوى الشر التي تقف بدفاع مستميت مستخدمة كل أدواتها لمنع ينابيع
الخير من التدفق، ساعد في إبراز هذا الصراع، ونجاح تصاعده استخدام الصور والأوصاف المتقابلة
المتضادة، سواء في الأحداث أو الشخوص، وتبرز هذه الصور في الصراع بين:
الخير والشر، النور
والظلام، التنوير والجهل، الطهر والدنس، الميلاد والموت، البقاء والرحيل...
استخدم المؤلف
تكنيك السرد في عدة مستويات؛ كان من شأنها إضفاء جو من التشويق، وتنوع الإيقاع، من
خلال: المؤلف هو الراوي،الراوي هو الشخصية نفسها، الراوي عن راو(صديق،
جار...)، حديث النفس، الحلم،أحلام اليقظة.
مزج المؤلف بين
السرد والحوار مزجًا لطيفًا ناعمًا؛ حيث تجاورت الفصحى في السرد، بالعامية في الحوار؛
وهذه العامية لم تبدُ ناتئة غريبة؛ لأنها جاءت على لسان أبطالها، وبمستوى لغتهم وأدوارهم
في الحياة، وثقافتهم ومهنهم وأعمالهم.
الرواية جيدة،
ومشوقة لدرجة كبيرة؛ تمثل صرخة تحذير من استشراء كل ما هو شر، من تخلف وجهل ومرض وظلم
وتراجع للقيم النبيلة، وهي وإن كانت تنتمي لتيار الرواية الواقعية؛ إلا أنها مجدولة
بجديلة رومانسية رائعة بكل ما تحمله الرومانسية من حب الخير، والتضحية في سبيل الآخرين،
واستعذاب الألم، والإيثار، والهم العام، والحلم لكل البشر بحياة أفضل.
تميزت الرواية
بسلامة اللغة وبساطتها بما
يناسب أجواءها. التشويق؛ فالقارئ لا يستطيع تركها دون إتمام قراءتها. التصوير
في غاية الروعة، وهذه سمة مميزة للكاتب في معظم كتاباته الروائية والقصصية وأدب الأطفال. النهاية المبتكرة- رغم
موت الأبطال- فقد جعل مجتمع القرية كله أبطال؛ يثورون على الفساد؛ متمثلين روح نور
وشوكت، وجاءت النهاية مفتوحة على كل توقع. رغم أن الرواية تقع أحداثها في النصف الثاني
من القرن العشرين؛ إلا أنها تحمل من الإسقاطات ما يجعلها صالحة لكل العصور.
تعليقات
إرسال تعليق