مقالات
علي الرغم من ثراء مصر بالمواهب لم يعد ممكنًا في الوقت الراهن إعادة إنتاج أجيالا كأجيال العملاقة التي بعثت الروح في أوصال المسرح المصري بسبب المناخ الملبد بالغيوم ، فقد قُتلت المواهب الفنية داخل الوطن مع غياب النص الجيد الذي يفجر الطاقات الإبداعية لدي فريق العمل ؛ نظرًا لسيطرة غير المتخصصين علي مجريات الأمور في الهيئات الثقافية المختلفة .ومن ثم حُرمت البلاد من كوادر فتية تم وأدها عن عمد أو جهل ، عندما أُهمل تجديد الدماء علي الساحة الفنية بأن هدمت لبنة البناء الأولي في عقل المؤلف المسرحي بالإهمال.
ويري بعض الباحثين أن ثورة 23 يوليو1952 بمصر لم تخلق إبداعًا ، إذ اعتمدت الحركة
الأدبية خلالها علي المفكرين الذين ظهروا قبلها ، إلا أن نهضة مسرح الستينيات تدحض
هذه الرأي في جرءًا منه ، فإن كانت هزيمة 1967م قد أدت إلي انتكاسة شاملة بيد أنها أحيت أدب
المقاومة في كافة المحافل ، ولاحقًا ، ورويدًا رويدًا أدي ضيق الأفق لدي القائمون علي رعاية الفن ؛ إلي تراجع الإبداع عندما
عجز المسرح الواهي عن مناقشة القضايا الوطنية ، ورغم أن الوطن كان يباع في حقبة الخصخصة لم يجرأ المسرح المصري علي التصدي للظاهرة إلا رمزًا ، وفي حالات نادرة
، وعلي المستوي القومي لم يهتم المسرحيون بجريمة غزو العراق ، فأصبح هذا الفن كالمسخ لا يقدم ولا يؤخر كباقي الفنون.
وتأتي الأزمة الحقيقة في كون المسرح
مشروعًا جماعيًا يشترك فيه الممثل والمخرج ومهندس الديكور مع المؤلف في صياغة
العرض ، وبالتالي كي تنمو الموهبة لدي الكاتب ؛ يتطلب الأمر حتمية مروره إلي عالم
التميز عبر تجربة العرض الأول ، وقد حرم المؤلف
تمامًا من هذه الفرصة ، وتلك هي المعضلة ، فبدون ممارسة التجربة سيبقي الكاتب بعيد عن المهنية ، فالمسرح عمل مشترك له خصوصية ؛ فدور المؤلف أن يحمل
علي عاتقه صياغة الرؤية الجماعية ؛ وكي
تتبلور هذه الرؤيا ؛ يجب أن تمر عبر الاحتكاك ، كي تنمو لدي المؤلف موهبة الكتابة بأسلوب
العقلية المركبة التي تسمح بنجاح آليات السرد في النص .
والكاتب الموهوب مهما كانت درجات الوعي والإدراك لديه ؛ إن ظل يكتب في أطار بعيد عن التجريب الحي سيؤثر ذلك في قدرته
عند تناول قضاياه ، لأن المؤلف بدون تلك
التجربة سوف يتكلم بأسلوبه علي لسان الشخصيات
في ثنايا النص ، فالعمل الأول عند التنفيذ قد يفقد ما يقرب من 40% من حجمه لأن هناك إشكالية ؛ والكاتب غير
مسئول عنها ، لأن القدرة علي الكتابة تحاج إلي اللمسات الأخيرة التي تكتسب مع أول عرض مسرحي
، بعد معايشة العناصر الأولية اللازمة
لصناعة المشروع الفني ، وقد أدي التراجع ثم الشلل الذي أصاب مسارح الثقافة
الجماهيرية والمسرح ككل بمصر إلي عدم اكتمال التجارب الورقية لدي معظم الموهوبين ؛ مما أسهم في سقوط الفن بداية
من النص كما سقطت كل أحلام المجتمع . ومازال أمل
الإحياء يروض عشاق هذا الفن ، بيد أن ذلك لن يحدث إلا بالتزامن مع نهوض
الوطن ككل .
تعليقات
إرسال تعليق