مقالات
غابت ثقافة الترشيد عن المجتمع المصري منذ فترة كبيرة وقد أدى ذلك إلى ارتفاع وتيرة الاستهلاك علي نمط غير مسبوق، وتجاوز الأمر مرحلة الاستهلاك فوق الرشيد ليستقر عند معدلات الفاقد الاقتصادي،
وهي مرحلة لاحقة بعد مرحلة التبذير. ويقدر بعض الاقتصاديين
نسبة الفاقد في المواد الغذائية وحدها، بما بين 15% وإلي 35% من إجمالي الاستهلاك المحلي،
ويمتد البذخ إلي الطاقة والملابس وغيرهما والعجيب أن العوز وانخفاض مستوي الدخل لم يمنع الطبقات
الفقيرة من اللحاق بهذا الركب.
وعلي الصعيد الصناعي
يمثل الفاقد في بعض المدخلات كالطاقة والخامات والعمل عبئا علي أسعار المنتجات
تامة الصنع وهو ما يجعلها غير قادرة علي المنافسة، علاوة علي ارتفاع الثمن
لمعظم المنتجات الاستثمارية الأخري بالسوق المحلى.
وفي القطاع الحكومي يبلع الأمر حد السفه، فعلي سبيل المثال بعد إتمام مراحل
رصف الطرق يعاد تكسيرها لتركيب شبكات المياه ثم ترصف مرة أخري، ثم يتكرر نفس الأمر
مع شبكات الكهرباء والصرف الصحي والغاز والتليفونات، وهذا هو ذروة التبديد لثروات الأمة، فالمشكلة هي غياب التخطيط العام كمؤشر حاكم ينسق بين أدوات الدولة في تنفيذ السياسات الاقتصادية
والاجتماعية.
وعلى ذلك فإن غياب ثقافة الترشيد يمثل محاكمة إدارية لأجهزة
الدولة منطوق الحكم فيها أن الإعلام والثقافة والنظم التربوية والتعليم ورجال الدين
فشلوا جميعا في غرس قيم الترشيد في الفرد والأسرة
والمجتمع، وان الآثار السلوكية جراء غياب هذه الثقافة في بلد يعاني من ندرة رأس المال
في مجملها آثار سلبية، لأنها تعرقل مخططات التنمية وأحيانا تبددها فتذهب الجهود المضنية أدراج الرياح.
ويري البعض أن اليد العليا التي أسهمت في احتضار ثقافة الترشيد
هي قوي الفساد الباطشة التي اعتادت طمس الوعي
الشعبي لضمان البقاء والتمدد في السلطة، بيد
أن نظرية طمس الوعي تحمل في طياتها آليات الفشل
الذاتي، فلا يمكن لأحد أن يتنبأ برد فعل المغيبين
فكما يتم تحريكهم بسلاح الإشاعات ضد أنفسهم؛ يمكن لآخرين من الخارج أو الداخل أن يحركوهم بذات السلاح ضد الدولة.
السؤال ما الذي يمكن
توفيره من الإنفاق المحلي الذي بلع في عام
2013 /2014 نحو 2.1 تريليون جنيه ؟ الإجابة
ببساطة هي أن مشكلة الطاقة المزمنة بمصر كان
يمكن حلها بدون منح أو قروض خارجية.
تعليقات
إرسال تعليق