دراسات
هناك حاجة محلة لترشيد استخدام الطاقة بالعالم العربية ولذلك لتخفيف العبء علي ميزانية الدول التي تستورد المحروقات بمبالغ باهظة مثل مصر والأردن والمغرب واليمن والسودان ، وتعظيم العائد جراء الوافرات لدي البلدان التي تصدر النفط لصالح برامج التنمية ، علاوة علي تقليل التلوث البيئي الناجم عن احتراق الوقود ، وحسب بعض الدراسات يمكن للترشيد توفير ثلث الاستهلاك وخاصة في مجالات الاستخدام المنزلي للطاقة .
ويعد الدعم العشوائي للطاقة أحد أهم أسباب التشوهات الاقتصادية
بالدول العربية ، لأن الدعم يجب أن يكون محدد بدقة وموجه فقط نحو الشرائح ذات الدخول
المحدودة فقط أو لمن هم تحت خط الفقر ، والواقع العربي يعاني من فوضي الدعم ، الذي
يوجه للقادرين والفقراء علي حد سواء وهذا يتنافي مع جوهر العدالة ، والكارثة الكبرى
أن جزء كبير من هذا الدعم يصب في صالح المستثمرين الأجانب الذين يعملون داخل الوطن
العربي ، نتيجة حصولهم علي طاقة مدعومة في كافة المجالات الاقتصادية وهو ما يعد إهداراً
لمقدرات الأمة وربما تكون المحصلة في كثير من الحالات في غير صالح البلدان العربية
لأن قيمة الدعم الذي يحصل عليه المستثمر الأجنبي ربما تكون أكثر مما يدفعه.
وفي الحالة المصرية كمثال : وحسب دراسة اقتصادية قام بها
الدكتور عمرو عدلي أتتضح أن رأس المال الأجنبي يحتكر صناعة الأسمنت بمصر ويسيطر علي
80% منها ، وتحصل هذه الشركات الأجنبية علي طاقة مدعومة ، ليباع الأسمنت للمواطن المصري
بالأسعار العالمية ، ومن ثم لا يتحقق العائد الاقتصادي المرجو من جلب رأس المال الأجنبي.
أهمية الترشيد في استخدام الأجهزة المنزلية
للترشيد أهمية اقتصادية بالغة في تحقيق التوازن بين العرض
والطلب ، وفي الحالة المصرية : يبلغ عدد السخانات الكهربائية بالمنازل 4 ملايين سخان
، وتستهلك نحو 6 آلاف ميجاوات والترشيد هذا البند كفيل بتوفير 20 % من الطاقة المستخدمة
، وذلك عن طريق ضبط ترموستات السخان عند درجه الحرارة المناسبة (50-60 ْم ) وفصل السخان
بعد نصف ساعة من التشغيل ، وفي الغسالات الفول أتوماتيك تستخدم المياه الساخنة فقط
للملابس المتسخة والشطف بمياه باردة وهذا قد يوفر 10% من الاستهلاك ، وفي غسالة الأطباق
يجب عدم التشغيل إلا بمليء الغسالة ، واستبدال غسالة الإطباق التي مر عليها عشرة سنوات
بأخرى عالية الكفاءة وهذا يخفض الاستهلاك بنسبة 20% ، وفصل شاشة الكمبيوتر الشخصي في
حالة عدم الاستخدام لمدة تزيد عن 20 دقيقة، وعدم ترك شاحن الموبايل في فيشه الكهرباء
وإطفاء أجهزة التلفزيون قبل النوم ، وعدم إضاءة كل اللمبات بالوحدات السكنية .
والترشيد بمصر يمكن أن يغطي العجز الكهربائي البالغ نحو
4000 ميجاوات ، بيد أن هذا الطرح يبقي نظريا لغياب ثقافة الاعتدال عند قطاع عريض من
المستهلكين ، ومن ثم يجب وضع قواعد صارمة تجرم الإهمال في إضاءة كهرباء الشوارع بحيث
يتم إطفائها مع الشروق ، وزيادة المسافة بين الأعمدة وتخفيض عدد الكشافات ، وتلك النتائج
تنطبق علي كافة البلدان العربية .
الترشيد الإجباري : وهذا النوع موجه ضد الأنماط العشوائية
التي لا تستجيب لثقافة التعاون الرشيد ؛ وذلك عن طريق مراجعة الأسعار وتحديد معدل قياسي
لمتوسط الاستهلاك المنزلي للطاقة ، ويرفع بعدها الدعم تماما ً ، وربما يعرقل أصحاب
المصالح رفع الدعم عن الأنشطة الاقتصادية ، بيد أنه من المؤكد أن الرأسمالية الوطنية
سوف تقف مع أي إجراء يصحح الاختلال في بلدانها ، ومن الناحية السياسية ستحاول المعارضة
العربية التصدي للإصلاح الحقيقي إما عن جهل أو نكاية في السلطة ، فأخطر ما يواجه الشعوب
نمو ظاهرة المزايدة السياسية ، من أجل إسقاط الآخر مهما كانت درجة الصواب في قراره
، ومن ثم تأليب الجماهير ضد من في السلطة ، فخطورة عدم الإصلاح الاقتصادي هي عجز الدول
عن وظائفها عجزا كليا وهذا يتطلب إعادة صياغة المعادلة الاقتصادية من جديد قبل انهيار
الدول العربية الفقيرة بسبب ندرة الموارد وعشوائية منظومة الدعم ككل ، ولكن بشرط حماية
حقوق الفقراء في الحياة .
العائد الصحي
يتزامن مع استهلاك الطاقة الكهربائية مساحة كبيرة من التلوث
تزيد وتنقص حسب الاستهلاك ، ففي الإضاءة كمثال بسيط جدا ينبعث من اللمبات المتوهجة
"الصفراء" غاز ثاني أكسيد الكربون ، وتبلغ الكمية المنبعثة من كل لمبة بنحو
157 كيلو جراما في العام ، وأما اللمبات الموفرة للطاقة تسبب خسائر صحية غير المباشرة
أكبر من قيمة الوفر ، فخطورة هذه اللمبات في أنها تطلق بعض الغازات الكيميائية التي
تسبب السرطان والعمى، وأن المواد المسرطنة تنبعث من اللمبات الموفرة في كل استعمال
جديد لها على شكل بخار ، و أن هذه الغازات هي "الفينول والنفثالين والستايرين
السام" وأن المواد المستخدمة في تصنيع اللمبات لها آثار جانبية ضارة ، وهي خسائر
صحية فادحة وهذا بخلاف زيادة الانبعاث الحراري جراء استخدام المحروقات ومن ثم تعد ثقافة
الترشيد ذات عائد صحي هائل.
الطاقة المتجددة
وبات من الضروري اعتماد سياسات عربية جادة للحث علي استخدام
الطاقة المتجددة بنسب مخططة لا تقل سنوياً عن 5% من الاستهلاك الحالي للطاقة الكهربائية
المستخدمة في القطاعات المنزلية بحيث تتحول الإضاءة فيما بعد إلي الإضاءة بالطاقة الشمسية
بعد عشرون عاماً ، وذلك بالتوازي مع تشجيع البحث العلمي في التوسع في استخدام الطاقة
الشمسية في مختلف مناحي الحياة وخاصة أن معظم أجزاء العالم العربي تقع مابين المنطقة
الاستوائية والمدارية وهي مناطق مشمسة .
وفي الحالة المصرية : طرح المهندس تامر شحاتة نموذجاً يسمح
بتوفير احتياجات وحدة سكنية مساحتها 100 متر مكونة من 3 غرف وحمام ومطبخ وصالة وتحتاج
لإنارة جميع اللمبات بمعدل كل جزء في الشقة لمبة ومعها تليفزيون وثلاجة وريسيفر وكمبيوتر
ومروحة كل هذا يحتاج لاستهلاك 1 كيلو وات / ساعة وتكلفة إنتاج الكيلو وات من الخلايا
المقترحة هو مبلغ يوازي 1400 دولار تقريبا، ويجمع النظام المقترح بين التكنولوجيا الألمانية
فائقة الجودة في الأجزاء الهامة والتكنولوجيا الصينية الرخيصة في الأجزاء الأخرى ،
أضف إلي ذلك إمكانية تطوير استخدام تكنولوجيا التكيف الشمسي وهو مشروع بحثي أنتجه المركز
القومي للبحوث بمصر ، ويحتاج إلي قرار التطبيق الصناعي بالتزامن مع دراسات الجدوى الاقتصادي
ودراسات تطوير الكفاءة .
طاقة الرياح : وهي متوفرة بمناطق كثيرة بالسواحل العربية
علي البحار والمحيطات ، ومن خلال استخدام وتطوير معدات أوروبية يمكن إنتاج الطاقة من
الرياح للمساكن والمشروعات ، بالعلاوة علي توليد الطاقة من الأمواج البحرية وهو ما
يعرف بطاقة المد والجذر ، وتعد الخيارات العربية في زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية
من مساقط المياه محدودة نظر لقلة المياه بالعالم العربي .
وتلك الاتجاهات يمكن أن يوفر على العالم العربي مليارات الدولارات
وتسهم في إنتاج طاقة آمنة وصديقة للبيئة. ويمكن تطوير أو تعدل تلك الأفكار بما يحقق
الصالح العام ، فلن تحل مشكلة هذا الوطن إلا بتكاتف الجميع في إطار منظومة العدالة
، ومن ثم يجب إلزام القادرين علي استخدام المتجددة ، كبداية لحماية البيئة العربية
من أخطار التلوث ، وبهدف الاستعداد لحقبة نفاذ الطاقة الأحفورية في العقود التالية
الخيار النووي
يحتم الواقع ضرورة اقتحام مجالات الطاقة النووية ، حتي يتمكن
العرب من اقتحام معالم المعرفة العلمية بجدارة ، وحسب أسعار عام 2013 م يقدر بعض الخبراء
إن تكلفة إنشاء المحطة نووية يقدر بنحو 4 مليارات دولار بقدرة 1000 ميجاوات ، وتستغرق
عملية البناء 4 سنوات ، بيد أن هذه التكلفة قد تزيد سنويا بمعدل يساوي الزيادة في معدلات
التضخم أضف إلي ذلك تذبذب السعر وفقا لحجم الطلب ، فتكلفة كيلووات من الكهرباء مولدة
من المحطات النووية يبلغ 66% من تكلفة الكيلووات المولد باستخدام الفحم ، ونحو
30.4% من تكلفة الكيلووات المولد باستخدام البترول ، إلا إنها تزيد كثيرا عن تكلفة
الكيلووات المولد باستخدام القوى المائية.
ويعترض البعض علي استخدام الطاقة النووية في إنتاج الطاقة
بسبب خطورة التلوث والنفايات النووية ، ولكن يرد علي ذلك بأن توليد الطاقة من الفحم
والبترول ملوث للبيئة وان كان التلوث بدرجة أقل ، كما أن العائد المعرفي يجب كل الأضرار
المتوقعة في عالم لا يحترم إلا الأقوياء ، بيد أن الخطورة في هذا الطرح تأتي من الخارج
ومن الوارد أن تعرقل القوي الخارجية مثل تلك المشاريع بعالمنا العربي خوفاً من امتلاك
العرب لقاعدة علمية ومعرفية في التطبيقات النووية ، وربما يتم إسقاط أي نظام سياسي
يسعي لذلك حتى ولو كان حليفا للغرب بيد أنه بالوعي العربي وتلاحم السلطة مع الجماهير
يمكن تحقيق النجاح في هذا الصدد .
نشرت بالحوار المتمدن-العدد: 4652 – 4/ 12 / 2014
تعليقات
إرسال تعليق