القائمة الرئيسية

الصفحات

قراءة في مسرحية "القلب الجريح" من مجموعة الساحرة والحكيم



           بقلم: د.فايزة حلمي

         مِن مجموعة مسرحيّات تحمل إسم :" الساحرة والحكيم" للكاتب صلاح شعير,  والصادرة عن دار يسطرون للنشر نطالع مسرحية "القلب الجريح".

          لأن مبدعنا فارس أبجديّة, فقد  جهّز صهوة جواده لرحلته بسهوب عقل قارئه, بداية  أضاء خط أفق المُتَلقّي بِعنْوَنة مُحيّرة " القلب الجريح"؟

      كأنّه يستدرج القاريء , لِشِراك الحيرة,  مابين فكّي تساؤل : هل القلب الجريح مُنتَج بديهي منطقي لقوة أو ضَعَف حَامِله؟  أهو ناتج لِعدم توافر جهاز مناعة ومصدّات ضد الهجوم المتوقّع لفيْض أنهار المشاعر,  أم  ناتج  لقوة فيضان وتدفّق سيول مَشاعر تهاوت أمامها كل الجسور المُنشأة مُسْبَقا؟

وعلي بساط  تُنيره علامات الإستفهام ... تمضي خُطانا,  بيقين إمتلاء سِلال عقولنا بكل ثمار الإجابات الشهيّة, المُقْتَطفة مِن رَوْض  مَنَحَه الساقي المُبدع ..عَصيرا مُقطّرا مِن رزاز متناثر من عاصفة فِكره.

  وها أنا أتحصّن بأحباري المُلوّنة  لتحملني على  قَيْد أحرف مِن مَركز الإعصار,:
    ولأن كاتبنا خبير بأوْرِدَة الأسْطر, فهو يعلم أي شِراع تناسب إبحاره بها, ومباشرة يُدير سفينة أبجديته, صَوْب الهدف بلا توانِ, فنجد أسنّة الأحرف ترتفع أعلى مِن دروع الكلمات, في تَماسِ يُديره ببراعة قبطان يمتلك بوصلة المعاني, وخريطة الجهات الأصليّة لِمَرامي الكَبْسولات البلاغية المُحْتويِة على المواد الفعّالة, المُرَاد بها التأثير على الهرمون الفِكْري لِعَقل المُتلَقّي, لإيقاظِه مِن سُبَاته, كجَرْعة تنشيطيّة لممارسة رياضته المُفْتَرَض تأديته لها بإنتظام, للحِفاظ على رشاقة تفكيره.

        حيث سيادة القبطان, أو كاتبنا عَاجَل مُتَلقّيه بدوّامة فِكرية, ما يكاد يدور بإتّجاه يَرْفَع رَايَة الدين, حتي يَجد الموجة تجذبة بإتّجاه يَرْفَع رَايَة العِلْم, ثم يتركه هنيهة ليتوازن فيستطيع السباحة لشاطىء يقين, على أمواج  الحوار التالي:
جابر( بيقين): خطورة القلب الصناعي , أنه يجعل مِن الإنسان مجرد آله, وقد تتغيّر أفكاره وسلوكيّاته.

سلمي (بدهشة): لن يتغيّر شيء, لأن العقل كما هو في جسده.
جابر (بثقة) : القلب هو كل شيء في الإنسان, إذا صَلحَ..صلح الجَسد كله, وإذا فَسَد..فَسَد الجَسَد   كله.
سلمي (بتصميم): العقل سيرشده إلى الحقيقة.
جابر (بِحِدّة): الإنسان بدون قلبه الأصلي لا قيمة له, سوف يتحول إلى شخص آخر.
مارك(بتَهَكّم): كيف أيها العارِف.
 جابر(بثبات): سوف يفقد البصيرة.
مارك(بضجر): القلب آلة ميكانيكيّة هائلة لضخ الدم.
جابر(بثقة): أنا أكلمك بمنطق ديني.
مارك( بتحدّي) وأنا أكلّمك بمنطق عِلمي.

      هكذا بَرَع كاتبنا في تشكيل سبائك أفكارة المنصهرة في بوتقة عقله, وزخرف بها أبجديّة أبطاله, التي أبدعت فتيات حروفها في أداء لوحات رشيقة المعنى, كفراشات  اليقين يُفَك أسْرها مِن شرانق الشَك, فتلهو بخيوط الهواء, صادحةً بِلَحْن أجنحتها, تكاد أنْغامها تُضيء ولَوْ لَم يمْسَسها وَتَر, وكاتبنا هو المايسترو المحترف الذي يهدينا أبرع ألحان فريقه بمجرّد إشارات, وكأنّهم هم المبدعون, والحقيقة أن فَنَار عَصَاه,  اليَقِظ على إبتسامة الشمس, هو الذي يدعونا إلى سَبيلٍ التفَكّر بالحِكْمَة والنقاش الحَسِن.


        
   حاول كاتبنا ألّا تتبعثر ملامحه, فتاتاً بأطباق الآراء, لكن ملامح بعض العبارات الموسومة بأسلوبِه, وَشَت بمخبئه عن سابق نيّة, فنجِده تارة على أريكة بدوّار مُخ الشيخ (جابر), يدْعُ إِلَى سَبِيلِ المَنْطِق الدّيني بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَيجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ, في محاولة الإنتصار ليقينه الديني, وفجأة تَطُل دهشتنا  مِن شِرفة أعيننا, حين نجدْه مُحاضَرا بِغرفة عمليات مخ د. مارك, مُعْرِضا عن المُتديّنين, ولا حتى يقول لهم سلاما, بل ترتدي الحروف دروع الأشواك لتضمن نهاية حاسمة لصالح يقينه العِلْمي.

      والقارىء على جِسْر الوقت يَسْعَى, مُنتظرا ميلاد فجر أصْوَب يَقين,  لِيَعْلَمَ أَيُّ الْرّأْيَيْنِ أَرْقَىَ لِمَا ذَهَبَا جَدَلا, في محاولة للوصول لِمِرْفَأ إرتكاز عقلي, تَسْكن بجنباته, أفكاره بعيدا عَن إعصار العصف الذهني, الذي أوقعه في دَوّامِة مَرْكَزه, فأفْقَدَه إتّزانه, بأرجُوحة التضاد, التي تُحَلّق بالمُتَلَقّي لأعلى نهايات ألوان السماء السِحْريّة.

        وفي النهاية... يَنثر كاتبنا حِفنة ضوء, فإذا هي فِكرة, تَلْقَفُ مَا كانوا يَعتقدون جميعا, وطَفَت على صفحة المياة الصافية, الفِكرة الأقرب إلي سطح العقول المسافرة لأبعد فضاء, بيقينيّة المَنْطق الديني, حينئذ ..وَدّ كثيرٌ مِن المُناقشين لو يردّونهم عن اليابسة التي لامسوها, فكان كاتبنا لهم بالمرصاد غير فظّا ولكن ببلاغة مَنطق, وطافيا بمنطاد الدين مَستخدِما مَضخّة  العِلم, في مُناورة بانورامية بلاغيّة, متفاديا ببدايتها, الإنحيازات الفكرية المُنْبِئة بأضوائها الكاشفة عن صريح آرائه, لكنه بالنهاية كمخرج العرض العظيم, خَرج على خسبة مسرحه مُحيّيا جمهوره, ليحصد تصفيق مُسْتَحَق.

   وسيظل مُبدعنا و الساكن بأوردة مُتَلقّيه, يسري فَوْح عطْر زهور كلماته, ليصل شلاليّ المَصَب بأروقة وجداننا, بوهج تعبيرات بلاغيّة, مُكتنزة المعنى, صادحة المَغْنى, وتظل أطروحاته الفِكرية, شَغَب يُحَرّك كل أسْطح مياة البحار الساكنة النقيّة, ويحوّلها لمدارات فلكية السرعة.. فقط .. بقطعة سُكّر .. تستطيع بِسحرها أن تداوي .." القلب الجَريح".













تعليقات

التنقل السريع