تسعى بعض الجماعات المتطرفة إلى إقامة دولة الخلافة، اعتمادًا على اجترار
المسمّيات القديمة من الماضي، أو الخطأ في تفسير بعض النصوص، واعتمادًا على
الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، ويلجأون إلى إطلاق أسماء إسلامية على أنفسهم لجذب
العامة، بيد أن التديّن الحقيقي ينشأ عندما يتكامل شق المعاملات مع العبادات، وهذا
هو السبيل لعودة الأمة الإسلامية إلى أحضان التطوّر عبر بوابة العلم، والعمل،
طبقًا لفقه الواقع، وآليات السياسة.
وسوف نتأكد سويا من انحراف دُعاة التديّن الزائف عن المقاصد الضرورية
للشريعة الإسلامية وهي: الدين، النفس، المال، العقل، والنسل.
أولا: قتل النفس: يقول تعالى:
“مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ
نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ
جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ
جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ
ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ”. (المائدة: 32).
ومن السنة النبوية: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أول ما يُقضى بين
الناس يوم القيامة في الدماء”، وفي حديث آخر، «لو أن أهل السماء وأهل الأرض
اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم الله في النار» (صحيح البخاري: 6533) وفي حديث ثالث:
«من أعان على قتل مسلم ولو بِشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من
رحمة الله” (سنن البيهقي الكبرى: 15643).
ويمثّل الهجوم المسلَّح على مسجد الروضة في شمال سيناء يوم 25 /11 /2017م ؛
نموذجًا للاعتداء على حُرمة الروح البشرية، فقد أسفر الهجوم عن سقوط 305 قتلى.
أما عن معاملة المسيحيين، فيقول تعالى: “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ
الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ
وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا
آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي
أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي
الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (المائدة :5) وقوله تعالى: “لَّا يَنْهَاكُمُ
اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم
مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (الممتحنة:22) وفي تفسير الطبري: أولى الأقوال في ذلك
بالصواب قول من قال: عني بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من
جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن الله عزَّ وجلَّ
عم بقوله: (الذين لم يُقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم) جميع من كان ذلك
صفته، فلم يخصص به بعضا دون بعض.
ويعد مقتل ما لا يقل عن 45 شخصا جراء التفجيرين الإرهابيين اللذين ضربا
كنيسة مارجرجس في طنطا والكنيسة المرقسية في الإسكندرية في 9 / 4/ 2017م مثالا
صارخًا على الإثم والعدون.
ثانيا: السرقة: وهي من الأمور التي حرَّمها الإسلام لحماية المال بشكل قاطع
لا يقبل الشك، فالسرقة واحدة من الكبائر التي تختص بأمور العباد، بالتالي لا غفران
ولا توبة عنها إلا إن سامح المعتدى عليه في حقه وعفا عن السارق، غير ذلك يُحاسب
عليها العبد يوم القيامة ويقتص الله تعالى منه لصالح من ظلمهم وسلب حقوقهم.
ويُعد سرقة المقر المؤقت لفرع البنك الأهلى المصرى رفح في صباح الاثنين
الموافق 16 / 10 /2017م بعد هجوم اتُهمت
فيه بعض العناصر الإرهابية، نموذجا على الانحراف الفكري.
أما عن تجارة المخدرات: وهي من المحرَّمات لحماية العقل، ويقول تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ
وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ) فالمخدرات تلتقي مع الخمر في عِلَّة التحريم، وهي الإسكار بإذهاب
العقل وستر فضل الله تعالى على صاحبه به؛ فتُشمَل بحكمه.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها،
وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها”،
وهذا الحديث صحَّحه الألباني في صحيح الجامع برقم: 5091.
ومع هذا التحريم وحسب تقرير المخدرات الصادر عن الأمم المتحدة 2017م؛ سوف نجد أن حركة طالبان في أفغانستان،
تجمع سنويا نحو ٤٠٠ مليون دولار، يُحتمل أن يكون نصفها مستمَدًّا من اقتصاد
المخدِّرات غير المشروعة.
النتيجة: يتضح مما سبق أن بعض الجماعات المتطرفة التي مارست ما نهى الدين عنه قد هدمت فكرة
الدين في سعيها لتطبيق الدين كما تدَّعي.
تعليقات
إرسال تعليق