ترجع أهمية الصناعات الغذائية إلى كونها عصب الاقتصاد الاجتماعى الذى يراعى
احتياجات الشعوب، ويعد القطاع العام الرشيد هو حائط الصد المتين المنوط بحماية
البلاد من التلاعب بأقوات البشر، كما يعتبر أفضل أداة من أدوات الدول النامية التى
تسعى من خلاله الحكومات إلى كسر الاحتكار، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب؛ حال
تعمد بعض المحتكرين القيام بتعطيش السوق بهدف زيادة الأسعار، وتحقيق أرباح غير
عادية عن طريق التلاعب بالاقتصاد القومى عبر التحالف مع الفساد، اعتمادًا على خلق
حالة من الندرة المصطنعة، وبما يضمن للمحتكر النجاح فى جمع المال بأسلوب الابتزار
الرخيص.
وتكمن المشكلة فى الاقتصاديات النامية فى هشاشة مؤسسات حماية المستهلك،
وضعف التشريعات التى تتصدى للاحتكار، والغش التجارى، على عكس الحال فى بلدان
العالم المتقدم، الذى يمتلك أدوات صارمة تمنع الأشخاص من ممارسة الاحتكار، ومن
ثَمَّ تصبح خطورة إسناد إطعام الشعوب للقطاع الخاص مسألة نسبية، وتخضع لسلامة
البنية القانونية للنظم الاقتصادية المتبعة، وفقًا لحالة التطور فى كل بلد على
حدة، ووفقًا للظروف القائمة، وفى جميع الحالات وحسب النظرية الكنزية فى الاقتصاد
الحر يجب تتدخل الدولة للسيطرة على الأزمات، وقد طبقت الولايات المتحدة الأمريكية
ذلك فى الأزمة المالية عام 2008م عندما ضخت ما يقرب من 3 تريليون دولار فى أوصال
الاقتصاد الأمريكى، ويرى بعض الاقتصاديين أن الدولة ينبغى أن تمتلك نسبة تتراوح
بين 30% : 40% من حجم الاقتصاد لضمان خلق التوازن الاقتصادى، ومنع الاحتكار.
وتمثل متطلبات الأمن الاقتصادى سيطرة الدولة على السوق بما يضمن تقديم
السلع بسعر التكلفة مضافًا إليها هامش ربح بسيط يسمح للقطاعات الإنتاجية
بالاستمرار فى إداء النشاط دون ترحيل أى اعباء مالية على الدولة، حتى لا تتفاقم
مشاكل عجز الموازنة، ومن جهة أخرى دفع بعض المستهترين من المستهلكين نحو الترشيد
الإجبارى، لتقليل الفاقد الاقتصادى.
ومن الناحية العسكرية يضمن القطاع العام للدولة سهولة تخصيص الموارد وتوجيه
القواعد الإنتاجية لخدمة الجيش فى أوقات الأزمات كخط دفاع ثانى يدعم قطاعات
التموين والامداد.
بيد أن مشكلة القطاع العام بمصر فى بعضٍ منها؛ تكمن فى طريقة التشغيل، ففى
ظل عدم وجود مؤشرات لقياس إنتاجية العامل أصبح هذا الكيان مستودع للعاملة الزائدة،
والطاقات العاطلة، والإدارة بالمحسوبية، مما أدى فى النهاية إلى رفع تكلفة السلع
والخدمات النهائية عن معدلها الطبيعى، ولتخفيض هذه التكلفة تلجأ بعض القيادات إلى
تخفيض الجودة فتنهار تلك المؤسسات ويتم تصفيتها، وما تبقى صامدًا منها يخضع للقصف
الإعلامى من قبل بعض المحتكرين لضمان الاستحواذ على السوق، أو ينهار بسبب سوء
التخطيط على المستوى القومى، حيث تتعارض السياسات بين قطاعات الدولة المختلفة نظرًا
لغياب التنسيق فيما بينها، حيث تؤدى بعض القرارات الخاطئة إلى تكسير المؤسسات
القائمة.
وعليه: نلتمس من المسئولين حماية ما تبقى من هذا القطاع من سوء الإدارة،
وضعف التخطيط، وليست هذه المطالبة من أجل حماية العمالة الزائدة أو بعض المتسكعين،
ولكن من أجل تحقيق الأمن الاجتماعى، والسياسى، ولضمان وجود ظهير اقتصادى للقوات
المسلحة عند الحاجة إلى ذلك.
تعليقات
إرسال تعليق